أقلام حرة
المتسلقـــون
في كل منظمة سواء كانت حزب سياسي، مؤسسة عسكرية، أو دينية أو مدنية .. ستجدهم هناك، يعملون بجد ونشاط، ويتحركون في كل مكان، ويبحثون في كل صغيرة وكبيرة، ويحاولون دائما أن يعرفوا من هو الذي يتحدث معهم، وما مدى الاستفادة منه، ومن وظيفته . إنهم كالسيل الجارف لا يوقف جريانه احد . فبمجرد أن يصوبوا أبصارهم على هدف معين، يجندون كل طاقاتهم للوصول إليه، وبأية طريقة، حتى ولو كانت على حساب حقوق الآخرين . إنهم المتسلقـــون .
سرطان استفحل في كل الدوائر والمؤسسات والمذاهب وفي كل منظمة مهما كان مستواها، لان المنظمات ذات الطبيعة الهرمية هي البيئة الوحيدة التي ينمو فيها سرطان المتسلقين . ومن خلالها يحققون أطماعهم الشخصيــة، التي لا تنتهي عند وصولهم إلى نقطة معينة، بل إن طموحهم لا حدود لــه . أساليبهم لا تخفى على احد، فهم موهوبون بالفطرة على التآمر، والتملق، والخداع، والتمويــه، والتهديد ... ولا يمكن إيقاف متسلق وكبح جماحه، إلا من خلال متسلق آخر أكثر مكرا ودهاء منــه .
إننا نجد الكثير من هؤلاء يتسلمون مواقع مهمة في الدولة، كزعماء أحزاب، أو كقادة في الجيش أو مدراء، ووزراء، وسفراء وعمداء كليــات .. وهم لا يديرون مهامهم الموكلة إليهم، أو بالأصح التي تسلقــوا إليها بكفاءة ومهنيــة، بل حتى إنهم لا يعرفون ابسط مبادئ الوظيفة الملقاة على عاتقهم، لأنهم ببساطة لا يعرفون مهنة أخــرى سوى مهنة التسلق . إن كل مؤسسة دينية كانت أو سياسية أو اقتصادية لها ترتيب هرمي ترفع بالضرورة شعارات إنسانيــة، وتنادي بتحقيق العدالة، وبان يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، وتحض على المساواة والى غير ذلك من الشعارات البراقـــة . لكن هذه المؤسسات تنحرف عن مسارها الطبيعي، وتستغل إمكانياتها لتحقيق مآرب شخصية للجالسين على قمة الهرم . لذا فإننا يجب أن لا نأمل كثيرا بتحقيق أحلامنــا من خلال هذه المنظمات الموبؤة بالمتسلقـــين، وأن لا ننخدع بالأهداف المعلنـة مثل رعاية البائسين، معالجة المرضى، مساعدة الأيتام، وأية أعمال خيرية، لأن الغايــة المختبئة وراء هذه الشعارات هي أن تصبح المنظمة اكبــر وتزداد اتساعا وثراء حتى ولو بالعمل على إبقاء الظروف المترديــة التي يعيشها الناس على ما هي عليــه، كما تفعل الأحزاب العراقيــة اليوم.
إن حالة الفوضى وشيوع الفساد وانتشار الجريمة والإرهاب، وانزواء الكفاءات العراقيــة من ذوي الاختصاصات الأكاديمية العالية، وشعورهم بالغبن والانسحاق، واليأس من التغيير . وضياع الحقوق وامتهان كرامة الإنسان، والعجز عن التقدم في أي مجال من مجالات الحيـــاة .. ماهو في الواقع إلا لسيطرة المتسلقين على مقاليد الأمور في البلاد، والتحكم بمقدراتها، ونهب خيراتها، وتشويه كل ما هو جميل فيها . ولن نخرج من هذا النفق المظلم إلا بتحطيم الأحزاب والمنظمات التي باض وفرخ في أحشائها سرطان المتسلقين.
طارق الربيعي