أقلام حرة

ترقيعات

tarik alrobaieمع كل زيادة في نسبة تصدير النفط، تكون هناك زيادة في ايرادات الدولة، وإنعاش لخزينتها . أموال كثيرة مكدسة تبحث عن من يستثمرها بالصورة الصحيحة التي تصب في خدمة التنمية الاقتصادية للعراق. لكن لم يحدث شيء من ذلك. فسياسات حكومات ما بعد التغيير تعتمد على منهج واحد فقط وهو الترقيع، بدلا من الفكر السليم والرؤية الإستراتيجية الشاملة في التخطيط . وهذا يدل على أن المسؤولين ليسوا رجال دولة، وان حلولهم الترقيعية تؤكد إن قدراتهم الإدارية ضعيفة جدا بل تكاد تكون معدومة . أو إنهم يعملون ليومهم فقط وليس للمستقبل الذي سيكونون فيه خارج السلطة أو خارج العراق يتمتعون بما تحصلوا عليه من أموال طائلة .

إن معظم المحافظات تقوم بإعادة جزء كبير من ميزانيتها المخصصة لها إلى خزينة الدولة، أو إحراقها بمشاريع لا مجدية بسبب الفساد واللامبالاة، بعد عجزها عن استثمارها والاستفادة منها في مشاريع خدمية وصناعية تعود بالنفع على أبناء المحافظات . وبذلك نعطي الذريعة القوية للدول المستفيدة من وضع العراق الاتكالي البائس لأن تسعى وبكل إمكانياتها لإبقاءه كما هو عليه، وبكل الوسائل المتاحة تعمل لان يكون العراق مجرد سوقا استهلاكية كبيرة لبضائعها الرديئة . وسببا لزيادة مواردها الاقتصادية وتوسع إنتاجية مصانعها، وتطمع في أن تجعل العراق تابعا لها من الناحية الاقتصاديــة . إن مثًلُنا كمثل من يعمل على ترقيع ثوب بال، كلما رتق من جانب أنفتق من جانب آخر، حتى ضاعت ملامحه من كثرة الترقيعات. إننا مهتمون كثيرا بمنح العاطلين عن العمل، وتعطيل طاقاتهم من خلال برنامج شبكة الحماية الاجتماعية الذي لم يسلم من فساد المفسدين . وباستيراد آلاف السيارات المكتظة بها شوارعنا أصلا . وبزيادة رواتب موظفي الدولة دون تمييز بين موظف فاسد وآخر نزيه .وبعد 12 سنة مازلنا ندور في فلك هذه القرارات والمشاريع الترقيعية فلم نتقدم خطوة واحدة .

نحن بحاجة إلى التخطيط الواعي الذي يكون لكل مواطن نصيبه العادل فيه . التخطيط القادر على ردم الهوة الشاسعة بين شرائح المجتمع، أو تقليصها . يجب أن تكون هناك خطة إستراتيجية لإعادة تأهيل قطاعي الزراعة والصناعة لاستيعاب العاطلين من الذكور والإناث، والاستفادة منهم . واستغلال مواردنا البشرية والمادية أحسن استغلال . فالعراق بلد نموذجي لقيام مختلف الصناعات لما يتوفر فيه من موارد أولية ورأس مال وأيدي عاملة .. فضلا عن الكفاءات المبدعة الإدارية والفنية المؤهلة للنهوض بعملية التنمية. وهذا لن يتم إلا بتطهير مؤسسات الدولة من المفسدين الذين يساهمون بتحقيق المآرب الخبيثة للدول التي لا تريد بطبيعة الحال أن يستقر العراق أمنيا واقتصاديا . والتوقف الفوري عن العمل بنظام المحاصصة المقيت الذي لم يجلب لنا سوى الشر . وبغير ذلك سيكون كلامنا عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والأمان محض هراء وخيال، وعبثا سنحاول البحث عن سلعة في أسواقنا كتب عليها صنع في العراق .

 

طارق الربيعي

في المثقف اليوم