أقلام حرة

عمامة الشيخ وطربوش سي السيد

tarik alrobaieالحاج أحمد عبد الجواد أو سي السيد هو الشخصية المحورية التي أبدع في صياغتها الروائي نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيــرة . حيث بدا لنا الحاج بوجهين او شخصيتين تختلف إحداهما عن الأخرى اختلافا كبيرا، فهو في البيت ذو هيبــة وسلطة قاهرة، حازم، متسلط، وقور يحافظ على صلاته وعباداته، ويحث أولاده وبناته على مكارم الأخلاق والالتزام بكل شيء دون أن يسمح لأحد منهم بمجرد إبداء رأيه . بينما تظل زوجته المسكينة أمينة تلبي طلباته حالما يتفوه بها، فهي تغسل رجليه، وتنظف طربوشه، وتخلع عباءته ثم تقف أمامه مثل عبــد ذليل ينتظر الأوامر. أما خارج البيت فيتقمص سي السيد الشخصية الأخرى المناقضة للاولى. فيظهر لنا سكيرا معربدا، تأخذه نشوة الخمر فيهز كتفيه كراقصة، ويقهقه مثل قرد. يقضي معظم لياليــه في بيوت الغوازي (العاهرات) يغدق عليهن من الأموال بلا حساب. ويتبادل مع أصحابه الكلمات البذيئة والشتائم المقذعة، ويقذف بطربوشه إلى الأعلى، فتتلقفه العاهرة لتضعه على رأسها وترقص. تذكرت سي السيد وأنا انظر لصور الشيخ المبجل خالد العطية التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي مؤخرا وقد نزع عمامته، وخلع جبته، ووضع مكان الأولى قبعة كتلك التي يضعها الشباب الصغار، وارتدى القميص والبنطلون وعلى وجهه رسم ابتسامة عريضة تدل على الرفاهية والنعيم والراحة التي يرفل بهن الشيخ الموقر. لكن لماذا هذا التناقض؟ في العراق شيخ معمم، وفي الخارج أفندي متحرر؟.

نحن نعرف بأن رجل الدين يبقى ملتزما بلباسه في كل الأحوال، وفي كل بلد . لأنه يمثل شخصيته وقناعاته الذاتية وطريقه الذي قرر المضي فيه وإكماله حتى نهاية العمر، أو يتخلى عنه تماما ويسلك طريقا آخر . لكن أن يرتديه في مكان ويخلعه في مكان آخر فهذا يدل على إن الرجل غير مقتنع به، وإنه ما لبسه إلا مضطرا ولدوافع معينة . ربما يريد الشيخ أن يبعث لنا برسالة مفادها إن زمن العمامة بات في مراحله الأخيرة ، وإنها أصبحت أشبه بالورقة المحروقة، وظهوره بهذا المظهر يدل على إنه رجل مدنــي وليس ديني . وهذا هو الإطار الذي سيتخذه في الانتخابات القادمة، فثروات العراق مازالت كثيرة، ومازال في العمر بقيــة لاستغلالها من خلال المناصب .

إن شخصية سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ جسدت شخصية الإنسان العربي ذو الطبيعة المتناقضة، وتجلت في صورة الشيخ خالد العطية الذي عبر بدوره عن حقيقة القائمين على العملية السياسية في العراق ومعاييرهم المزدوجة المتمثلة باتخاذهم للمظهر الديني كشعار لهم، ومطية للوصول إلى السلطة ومكاسبها الكبيرة . بينما الواقع يشير إلى إنهم بعيدون كل البعد عن مبادئ الديــن وسنة الرسول الكريم . حيث عمت الرشوة والمحسوبية والطائفية والتزوير مؤسسات الدولة وبلا استثناء، وتخلف العراق في كل المجالات عن الأمم الأخرى رغم الثروات الطائلة التي يمتلكها، وساد الظلم وتلاشت العدالة . وثبت إن العمامة عندما تدخل السياسة لن تكون إلا مظهر خادع مغلف بالقداسة، كما هو طربوش سي السيد الذي تقدسه أمينة وتنظر إليه بهيبة وإجلال وتضعه في مكانه المخصص له باحترام وتبجيل، بينما هو خارج البيت يتربع على رأس عاهرة ! .

 

طارق الربيعي

في المثقف اليوم