أقلام حرة
المسخ
خلال زيــارتــه الخاطفة والخائفة للعراق التقيت به، وسلمت عليــه وسألت عن أحوالـــه في ديار الغربة. فأجابني وهو يشير بإصبعه إلى صدره، شامخا بأنفه بأنه أصبح مواطــنا استرالـــيا لا يمت للعراق بصــلة. ثم انهمر لسانه بسيل من الصفات الشنيعة والألفاظ البذيئة على العراق وأهل العراق بكل توجهاتهم وأديــانهم، فمخــزون الشتائم في عقله الواعي واللاواعي ممتلئ جدا ! . كان يتحدث ويطوح بيديه يمينا وشمالا، وعضلات وجهه ترتجف، ومن عينيه المنطفئتـــين ألمح بريـــق من الحقد الدفيــــن . لم يمض عليه في بلاد الغربــة سوى بضع سنوات ثم عاد ليــقول مفتخــراً متباهيــا بأنه مواطن استرالـــي !.
الكثير من هؤلاء يعتقدون بغباء إنهم أصبحوا أجانب لمجرد اكتسابهم جنسية البلد الذي لجاؤا إليــه، متناسيــن إن أرواح أسلافهم من غابــر الزمان قابعة في أعمق أعماقهم، ترسم مزاجهم النفسي، وتشكل تفكيــرهم، وتصوغ شخصيــاتهم على الصورة التي هي عليها اليــوم . الصورة التي لم ولن تتغير حتى وبمرور مئات السنيــن، فكيــانهم المادي في الغرب، بينما أرواحهم تستمد حيــاتــها من الشرق . وهم بمحاولاتهم الساذجــة في تقمص روح عرق أجبني آخر يشبهون زنجـــي قام بطِلاء جسده بلون أبيض، فصار مسخــا كصاحبــي المواطن الأسترالي .
لقد بقي الهندي الأحمر وبعد مرور عدة قرون على تعايشه مع العرق الانكلوسكسونـــي الأميركي هنديا أحمر ولم يتغير، كذلك الصينـــي بقي صينيــا، والياباني، والفارسي، والكردي، والتــركي، والإيطالي ولن تبذل جهدا كبيراً في أن تكتشف بأن ذلك المسخ الواقف على باب أحد الملاهي في لندن بقرب سيارته الفخمة، والذي يرتــدي الجينز، ويضع على رأسه قبعة صغيــرة ملونة ما هو في الواقع إلا بدوي من أعراب الخليـــج، وسيبقى بدويــا لعدة قــرون أينما تشاهده، وعلى أيــة صورة .
متى سيفهم أولئك الأغبيـــاء المساكيــن بأن روح العرق تبــقى حيــة نابضة في داخل الإنسان تحمل صفات أسلافــه بكل ثقافتــهم وطبائعهم وأمراضهم الاجتماعيــة، مثلما تحمل جيناته الوراثيــة صفات آباءه واجداده التشريحية من لون البشرة إلى لون العينيــن وحجم الجمجمة ولكي ينصهر عرق بعرق آخر فذلك أمر يتطلب زمنا طويلا وسيرا بطيئا ... مــتى سيفهم هؤلاء بأن الخروف سيبقى خروف حتى وإن نزعنا عنه الصـــوف !!.
طارق الربيعي