أقلام حرة

علامَ رفعُ الرأس؟

أن نطلب من المواطن العربي من أيّ قطر كان أن يرفعَ رأسه لأنّه عراقيٌ أو أردنيٌ أو جزائريٌ أو مصري، مرهون بتلبية الشروط اللازمة لرفع الرأس وإعلاء الهام.

ليس طلب رفع الرأس مجرد شعارٍ شوفيني أو حميّة جاهلية. وليس هو مجرد أن تأخذنا العزّة القعساء فننسى حالنا ونطلق العنان لخيالنا ونعيش أجواء فنطازية لم تبق لنا حوادث الزمن وصروف الدهر منها سوى الصدى.

علامَ يرفع المواطن من هذا البلد العربي أو ذاك رأسه؟ على أيّ تقدّم وأيّ إنجاز؟ وبأي عامل قوّة يساوم وعلى أيّة ورقة يراهن؟

دلّوني على سبب واحد وسأرفع رأسي وهامتي في الحال. بل سأعتلي أعلى منبر وأقف في أشهر ساحة وسأخوض أشرس حرب وأعنف معركة للدفاع عمّا أقول.

لمن يقول بأنني جرّدت نفسي وأهلي وأمّتي من أمجادنا ومآثرنا وصنائعنا ووقائعنا وتراثنا وموروثنا وتاريخنا أقول:

أعلى صنائع أجدادنا نرفع رؤوسنا؟

أعلى تراث آبائنا نتيه على الدنيا؟

أعلى أمجاد أسلافنا نقيم شعاراتنا؟

ليت الأجدادُ والآباءُ والأسلافُ يرون ما بلغنا من سوء حال وهوان شأن. سيتبرؤون من أحفادهم وسينكرون خلفتهم وسيندمون على ما شادوا وما  شيّدوا وما عمّروا وما بنوا.

كانت بلادنا قبلةً العالم. وخلفاؤنا سادته. وكان أدباؤنا لا يشقّ لهم غبار، وعلماؤنا لا يبلغ لهم شأو. خيرات وأنهارٌ وزرعٌ وضرع ومناطقُ نفوذ ودول تدين لنا وشعوب تخضع لإرادتنا وبلاد تفرش أرضها تحت أقدامنا. مدائننا مقصد كلّ سائح مستطلع ومعاهدنا موئل كلّ طالب ومتعلم ومكتباتنا منبع كلّ فن وعلم وأدب.

أوَلا يحدثنا التاريخ عن ملوك الروم والفرنجة يرسلون الهدايا والتحف إلى خلفائنا استرضاء لهم وطمعا في ودّهم؟

أوَ لم نقرأ عن الملك الإسباني الذي استقبل ضيوفه وهو يرتدي بزّة الخلفاء المسلمين ويحيط نفسه بما كان خلفاؤنا يحيطون به أنفسهم من علماء وأدباء وكتبة؟

أين هم منّا؟ بل أين نحن منهم؟

أجدانا هم من يليق بهم أن يرفعوا رؤوسهم.

وأسلافنا هم الجديرون بأن يتيهوا على الخلق.

وآباؤنا الأبعدون هم من لهم الحق في أن يرفعوا عقيرتهم مباهين الدنيا بأنّهم أشبال أسود الحق أولئك  وسليلو نخبة العدل والكرم والإيمان تلك.

آباؤنا وأجدادنا وأسلافنا هم من يصحّ عليهم القول بأنّهم " خير من ركب المطايا " و بأنّهم " أندى العالمين بطون راحِ ".

أمّا خلفتهم فحسبهم من هذه الدنيا منفى يلجأون إليه فيلقون فيه القبول على مضض وعلى سياسة.

أو أن يعيشوا يومهم في أوطانهم ولكن على حساب الكرامة ولقمة الخبز.

وحسبهم أن يمنّوا أنفسهم بغدٍ لا يفضل سابقه إلا بقدر أكبر قليلا من الأمان والكهرباء والماء وبكميات أقل من الضحايا والفساد وأكوام القمامة.

 

د. بسّام البزّاز

      

في المثقف اليوم