أقلام حرة

مَن يقطعُ "ألسنة" اللّهب؟

حين راح "ثوّار" الثامن من شباط من عام 1963 يتعقبون أركانَ "النظام القاسمي الشعوبي"،  ممن لم يقعوا في يدهم ساعة قيام "الثورة"، ويصطادونهم، كان ديدنهم هو إطلاق الألقاب المشينة والأوصاف المخلّة بالشرف على كلّ عونٍ من أعوان الزعيم " الأرعن "، والتشهير به و" فبركة " ما يمكن فبركته من تمثيليات وفصول. فكان نصيب أخ الزعيم، على سبيل المثال، أن جالوا بالكاميرا في بيته يصوّرون غرفه ومرافقه وما تضمّنته من أثاث " فاخر" وأجهزة كهربائية كثيرة مضاعفة، ليصلوا بالمُشاهد إلى القناعة بأنّ " علك المخبّل ترس حلكه ".

وحين تمكنوا من المدعي العام في محكمة " المهداوي " ماجد محمّد أمين، بثّ التلفزيون صورته مجندلا على الأرض، مع عنوان عريض يقول: " نهاية لسان الشغب".

ما علينا الآن من زعيم " أرعن " او قائد " هدّام ". وما علينا الآن من " مخبل " يملأ فمه وجيوبه بالعلكة، أو من " خال " مهووس باقتناء الأراضي المختارة المنتقاة والعقارات الفاخرة على شاطئ دجلة. وإن كنّا عرفنا في سنوات الحريّة والديموقراطية الأخيرة أكثر من " زعيم " " قائد " وأكثر من مخبول مجنون وأكثر من شره مهووس " تدني " نفسه على كلّ ما يستهويه ويسعى جاهدا إلى تملّك كلّ ما ليس له. فموضوعنا هو " لسان الشغب ".

فلسان الشغب الواحد ذاك صار، مع التكنولوجيا ومع الأقمار الصناعية ومع الحرية والديموقراطية وغياب القانون الذي يحكم الأحزاب، بلْه قنواتها المقروءة والمسموعة والمرئيّة، أقول صار ألسنة كثيرة، وصار محكوما على الناس أن يقعوا في شباك تلك القنوات، مهما ابتعدوا عنها ومهما سعوا إلى الانعتاق من تأثيرها. يقع حادث أمني أو حدث سياسي فتحارُ من أيّ مصدر تستقيه ومن أيّة قناة تطلعُ على تفاصيله. فلكلّ قناة إحداثياتها ومنظارها وتفسيرها وتحليلها وزاويتها المحكومة بفكر الجهة الممولة أو المالكة، وبآيديولوجية الحزب الذي تنتمي إلى جوقته وتعزف على وتره.

تنقلوا أعزّائي يمينا أو يسارا بين " ألسنة اللهب " هذه، وسترون كم تُسهم في إشعال الحرائق الذي تعصف بالبلد، وكم تذكي نيرانها وتديمها متقدة متأججة.

هي شرّ في كلّ الأحوال، سواء اصطففتَ وراءها أم تنقلتَ بينها وبين سواها.

هي كالتدخين وكالسجائر، لا علاج معها إلا بهجرها والإقلاع عنها.

مهم جدا، قبل الهجر والقطيعة، أن نؤمن بأن السجائر، التي تمنحنا " المتعة " الظاهرة و" تدغدغ " عواطفنا الفطرية البسيطة، تحمل في دخانها سمّا زُعافا وتخفي في ثناياها قاتلا مأجورا. 

 

د. بسّام البزّاز

 

في المثقف اليوم