أقلام حرة

وتعانقت شجرة الأرز مع النخلة

لم يكن بين العراق ولبنان حتى عام 2003 من قاسم مشترك غير العروبة، كاملة الدسم وبلا غبار ولا شكّ في الحالة الأولى، وتجاذبات وعدم وضوح في الحالة الثانية.

أمّا الطائفيّة...أمّا " الديمقراطيّة "...أمّا الإمارات والمشايخ والأسر التي تتوارث الألقاب والمناصب ورئاسة الطائفة وتمثيلها البرلماني فكانت شائعة دارجة في الحالة اللبنانية، منعدمة ممنوعة في الحالة العراقيّة.

كان اللبنانيون، وما زالوا، يسبقوننا، ويسبقون العرب جميعا، في " الانفتاح " على الغرب وعلى الموضة وعلى كلّ جديد قادم من الخارج، وكنّا نحن نسبقهم في معاداة الغرب وتعقّب " الميني جوب " والتشبّث بكلّ ما هو شرقي حتى وإن كان مصدره أوربا.

وحدث ما حدث. ووقعت الواقعة. فإذا نحن ولبنان، وبين عشيّة وضحاها، كتوأمين سياميين. نتظاهر ويتظاهرون. نسقط صرعى المفخخات ويسقطون، ننتخب وينتخبون. وباتت بيروت هي قبلة الكثير من سياسيينا، بل هي مقر إقامتهم المتقدم، لسياسة أم لغير سياسة. لتجارة أم لتبييض أموال. لعقارات أم لقنوات أم لفضائيات.

وصار لنا، بين عشية وضحاها، دستور يشبه دستورهم. وتقاسمٌ ثلاثي للسلطة يشبه تقاسمهم. وبرلمانٌ لا يختلف كثيرا عن برلمانهم. وسياسيين موزعين على الطوائف كسياسييهم، سوى أنّ سياسيي بلد الأرز أرتب منظرا وأعرق جذورا، بينما سياسيو بلد النخيل لا تبدو عليهم مظاهر الترتيب ولا عراقة الجذور.

لبنان ينتظر منذ أكثر من سنتين أن يجتمع نوّاب برلمانه بنصاب قانوني لكي ينتخبوا رئيسا توافقيا، ولا حلّ يبدو في الأفق... نوّاب عاطلون عن العمل، لا يعملون إلا حين يتغيبون عن جلسات التصويت بأوامر من أحزابهم، التي تشبه أحزابنا في انتماءاتها وارتباطاتها وخيوطها السائبة الممتدة إلى الخارج القريب أو البعيد.

ولطالما تحدث المحللون في الحالة اللبنانية عن اتفاق الـ (س - س) وأحيانا عن اتفاق الـ (إ - س) ، في إشارة إلى ذات الجهات والأطراف التي تمسك الآن بخيوط الحل في المسألة العراقية: إيران والسعودية. أمّا الـ (س) الأخرى ففيها ما يكفيها بعد أن دخلت (ت) على الخط.

لقد خُلط الحابل بالنابل، وصُهر العرب، من المحيط، الذي ما عاد هادرا، إلى الخليج، الذي خمدت ثورته، في هموم ومصائب وتشرذم لا أول لها ولا آخر، وصارت الفُرقة والشقاق هو ما يوحدهم بعد أن بدا في يوم من الأيام أنّهم مقبلون على وحدة أرضٍ ووحدة مصير.

 

د. بسّام البزّاز

في المثقف اليوم