أقلام حرة

مريضنا ليس مريضا

تعتلّ صحة أحدنا أو يتوعك في مزاجه أو في بدنه فنهرع به إلى الطبيب المعالج ليصف لنا ما يخفف من شدّة العلّة وآلامها وصولا إلى الشفاء التام منها. ومع وصفة الطبيب الكيمياوية تنهال علينا الوصفات الشعبية من أعشاب وأشربة ودهونات ورقى وتعاويذ وآيات.

ويعتلّ الوطن ويسقط فريسة لحمّى تتعدى درجات كلّ محرار ويشعر بتسارع في نبضات القلب لا يضبط عديدها أي منظّم أو مقياس، وإمساك وإسهال يتناوبانه، وارتفاع ضغط وانخفاض يعتريانه، وانفصام وتوحّد يأخذان بتلابيبه، وشعور بتخمة وجوع، باستسقاء وعطش، ببرد وحر، بمرارة في الفم وطنين في الأذن وتورم في الساقين وانتفاخ في العينين... فلا ينبري الكثير من " أبنائه " الكثر ولا أيّ من "أصدقائه" القدامى ولا من "أقربائه" المقربين للاتصال بمسعف أو لحمل المريض إلى أقرب مركز للطوارئ، بل لا يتصدّق أحد منهم عليه بكوب من البابونج أو بحبّة أسبرين أو بحقنة مهدئة. حتّى الرقية والآية القرآنية، اللتان لا تكلفان إلا تحريك الشفاه، عزّتا على هذا الوطن المنكوب.

هذا هو حال بلدنا. مريض يشخص ببصره إلى السماء ينتظر النجدة منها، لا من الأرض. فالأرضُ وسكان الأرض منهمكون في تعظيم آلهتهم الجديدة وإعلاء راية أوطانهم الأخيرة. هذا يُشيد بصلاح دين جديد ليس أيّوبيا، وبسعد وخالد وقتيبة لم يولدوا من صلب أبي الوقّاص والوليد ومسلم، بل ظهروا بأخرة " من زرف الحايط "، وذاك يقابله بالإشادة بسلاطين وملوكٍ هم في التوصيف والغايات لا يختلفون عن أولئك. والمريض بيننا وأمامنا طريح ينتظر.

المريض أيّها الناس مريضنا. وما به من علّة هو ما بنا. وعلاجه وشفاؤه مرهون بإرادتنا، نحن أبناءه، لا بإرادة هذا الجرّاح أو ذلك البروفسور.

هو علاج بسيط، صدقوني. بل هو أبسط مما نتصور أو ممّا يصوّره لنا " الأطباء" و"المستشارون" الذين نلقي إليهم السمع.

يكفي أن نعود بمريضنا إلى البيت ونغلّق دونه ودوننا الباب.

 

د. بسّام البزّاز

 

في المثقف اليوم