أقلام حرة

"الواسطة" طلبا للموت

ما لم يتعلّمه العراقيون عموما والعرب بقدر أقل هو احترام الدور والتسلسل والأولوية والأقدمية.

وما لم يتعلموه على شبابيك الأفران وعيادات الأطباء ومحطات الوقود لا يحسنون تعلمه، بل لا يريدون تعلمه، وهم يتدافعون الآن ومنذ أوان، لا على الخبز أو البيض أو الشاورمة، بل على كلّ شيء.

ما لا ينجح فيه التدافع تنجح فيه الواسطة. وما لا تنجح فيه "المروة" تنجح فيه القوة. وما لا تنجح فيه لا هذه ولا تلك، ينجح فيه شيء بل أشياء أخرى، من بينها التصفية والقتل.

هل سمعتم في حياتكم عن موظف يتشبّث بمنصبه؟

سفير لا يريد هذه السفارة بل تلك.

ومحافظ لا يقبل بأقلّ من البقاء في منصبه. وإن اشتدّ الأمر وحمي الوطيس فله من الأهل والعشير ما يردع وما يرهب أعداءه ويشدّ أزره ويقوي حبل سلطته.

مديران لإدارة واحدة: واحد جديد ينتظر الدخول وآخر خارج لا يريد الخروج.

ومسؤول يزعل لأنّ ولده أو أخاه أو ابنه ليس على قائمة المرشحين.

وكتلة تهدد بالويل والثبور إن همّ مسّوا أحدا من أفرادها بطرف.

هي دولة البقاء للأقوى. للأكثر عددا وعدّة. للأقدر على بسط اليد والتلويح بالقوّة.

لا مكان للأصلح خدمة ولا للأكثر نفعا ولا للأكفأ أداءً ولا للأنزه ذمّة.

كنّا نتدافع على "الصمون" فأصبحنا نتدافع على "الصمون" وعلى المنصب.

كنّا نتوسط لكي ينجح ولدنا فأصبحنا ندفع الملايين لكي نحوز حقيبة وزارية تدرّ علينا المليارات.

كنّا نتعامل بالمفرد وبالبسيط فصار تعاملنا بالجملة وبالخطير.

أذكر أنني في سنين شبابي الأولى ومراهقتي الأخيرة عزمت على التطّوع في إحدى المنظمات الفدائية الفلسطينية. وحين ذهبتُ إلى بغداد لترجمة عزمي وجدتُ العشرات من الشباب، قبلي وبعدي، يتدافعون ويتسابقون. بل وجدتُ منهم من أتى بواسطة " كبيرة " لكي يموت.

 

د. بسّام البزّاز

 

في المثقف اليوم