أقلام حرة

فريد الأطرش ومقتضيات المصلحة العامة

لقد بلغ سوء الحال بنا أن صار العربيّ غريبا في بلاد العرب. وصار الأجنبيّ مرغوبا مطلوبا فيها. فبماذا يأتيهم العربي غير مشاكله وأطفاله وبؤسه وإقامته الطويلة واللعب من حين لحين بذيله؟

أمّا الأوربي، أمّا الياباني، أمّا الأمريكي فيزورون غبّا ليزدادوا حبّا. دولارات وحقائب خفيفة وصرف باذخ. لا يسألون ولا يقتلون ولا يحاولون اللعب بذيولهم، بل يأتون لسياحة واستجمام وتبديل جو وأكل ومشاهد ثم يعودون إلى البلدان التي جاءوا منها وهي خير من بلداننا.

وليت الأمر ينتهي بالعربي عند حدود وطنه العربي، بل تعداه إلى كلّ حدود العالم. فهو منبوذ ثقيل المقام مشكوك في أمره بين أهليه وبين الأغراب.

يا لها من مفارقة!

هؤلاء الذين يدخلون من دون تأشيرة الدخول التي تفرض على الأخ العربي، تصول طائراتهم وتجول في فضاءات أمتنا من دون تأشيرة ولا جواز مرور أيضا، دونما رادع ولا مدافع غير " الاحتفاظ بحق الردّ " الذي لن يأتي.

أمّا الرد كلّ الردّ فممكن مقدور عليه إذا كان بين العربي والعربي. فنحن أسود على بعضنا، ليوث على أهلنا، لا نوفّر لتأديبهم سلاحا ولا يعوزنا لردعهم رجال وعتاد.

أمّا في بلاد " الاستقرار " و " الأمان " العربي فالفساد ينخر جسد البلد ويأكل لحوم البشر، الظلم مستشر والعدالة الاجتماعية غائبة والأحوال متردية وعجلة التقدم متوقفة.

 

خيرات البلد موجودة لكنّها غير منظورة

والجيد من البضاعة والصناعة والزراعة والصيد والأغنام هي ليست للاستهلاك المحلي بل للتصدير. وماذا يفعل الناس بالتفّاح الغولدن وزيت الزيتون البكر والسمك الكبير ولحم الغنم الطري؟

أليس " اقتصاد البلد " أولى بالعملة الصعبة التي تأتي من تصدير هذه المنتجات.

ألا تقتضي المصلحة العليا للوطن كل ذلك؟

المصلحة العامة أو المصلحة العليا هي الكلمة المفتاح في كلّ ما سردتُ.

تعرّفت أثناء خدمتى العسكرية الإلزامية على نائب ضابط تركماني من كركوك. كان مهووسا بفريد الأطرش، وكنتُ أنا معجبا أيما إعجاب بعبد الوهاب. كان يقول لي ملاطفا: " خي خي... أهذه أغنية تغنّى بربك؟ فأردّ عليه " وماذا عن " حلوة بشكل طعمة بشكل؟ أهذه هي الأغنية التي تتفاخر أنت بها؟ ويجري النقاش عن فريد وعبد الوهاب بين نائب عريف بعقوبي مكلّف ونائب ضابط كركوكلي مطوّع. حتّى وصلنا في قلم الوحدة صباح يوم من الأيام كتاب من قيادة الفرقة فيه أمر بنقل نائب الضابط (طارق) من وحدته ومقر سكنه وأهله وبيته في كركوك إلى البصرة... بناء على مقتضيات المصلحة العامّة أو العليا... لا فرق.

 

د. بسّام البزّاز

 

في المثقف اليوم