أقلام حرة

الدماء في كلّ مكان

لا إيمان يقوم على خيال. ولا ثقة تبنى على أساس من رمال. ولا حماس يستند إلى وهم ومحض سراب. حين ردّ الرسول الكريم على عمّه الطيب المشفق عليه: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته"، فقد كان يعي ما يقول، وكذلك كانت قريش.

وحين ينبري التلميذ المجتهد لمسألة أو الطبيب النطاسي لجراحة أو المهندس الخبير لبناء إنّما يندفعون وهم واثقون من معرفتهم، قادرون على إتمام المهمّة وإنجاز المطلوب على أتمّ وجه وأصحّ طريقة.

وما ينطبق على الأنبياء والعلماء والمجتهدين ينطبق على عتاة المجرمين وكبار الفاسدين ودهاقنة الشرّ والرذيلة، من أيّ لون وصنف وصنعة.

فلهؤلاء كذلك إيمانهم الذي يركنون إليه، وحوضهم الذي يحتمون به، وبرجهم الذي يلجؤون فيه.

ولئن استمدّ أولئك إيمانهم من السماء ومن ثقة الناس بهم والتفافهم حولهم، بعد ما خبروا من صدقهم وأمانتهم وعلمهم وكفاءتهم. فعرّابو الشرّ وخفافيش الظلام يستمدون قوّتهم من اضطراب المشهد واختلاط الأمر وجهل الجمهور وتفرّق صفوفه.

مؤمنون سواء بسواء

أذكياء سواء بسواء

سوى أن إيمان أولئك مبني على حق ووجهته إشاعة الخير والأمن والبناء، بينما إيمان هؤلاء قائم على باطل وهدفه نشر الرذيلة وزرع الفتنة وهدم كل بنيان.

أمّا من يقلب الكفّة ويغيّر المعادلة فهم الجمهور المخدوع ذاته. والتابعون الذاهلون عن الحقيقة أنفسهم. والمناصرون معصوبو العيون لا غيرهم.

كفى البلاد خرابا والعباد موتا وذلا وهوانا. وحسب هذه الأرض ما جرى على أديمها من دماء زكيّة وما صعدت إلى سمائها من أرواح بريئة، وما تناثرت فوق أرضها وتحتها من أجساد ممزقة من قتل أو جوع أو ظلم.

ما دام الأشرار مؤمنين بطيبة هذه القلوب وسذاجة هذه العقول، مطمئنين إلى أنّهم في حرز مكين، لا تطالهم يد مظلوم ولا تهددهم غضبة جائع، فسيواصلون الرهان وسيركنون إلى الإيمان بقدراتهم في تغييب الناس وتخدير العقول والأنفاس. يدفعون عن أنفسهم كلّ تهمة وينفون عن أعراضهم كلّ جريرة وذنب. وسيظل المحرومون المظلومون الفقراء المجروحون في كلّ أوصالهم وكرامتهم وكبريائهم مصدرا لا ينتهي من الأحزان والدموع ومعينا لا ينضب من الأشلاء الممزقة والدماء.

 

د. بسّام البزّاز

 

في المثقف اليوم