أقلام حرة

كل الطرق تؤدي اإلى الله

أستغرب أن أرى قوافل المعتمرين تترى، وأستغرب أكثر أن أسمع بتردد الكثيرين منهم مرات ومرات على الديار المقدسة، حتّى باتت العمرة أسهل من زيارة أخ أو صديق أو قريب في مكان أقرب بكثير من مكّة المكرمة، وأقلّ تكلفة بكثير كثير مما تكلّفه العمرة. فهمنا أن يحجّ المسلم مرّة وأن يعتمر بعد سنوات من الحج ويثنّي بعد سنوات أخرى ليجدد العهد ويوثّق الحلف، وإن كنت أظن ألا حاجة بنا لذلك، فلدينا ما يجدد العهد ويوثّق الحلف نحمله معنا وفي ضميرنا وذاتنا وفعلنا ومعاملتنا وعباداتنا. هلا تلفتنا حوالينا؟ هلا رأينا البؤس والفقر يضرب أطنابه هنا وهناك؟ هلاّ رأينا الحزن على وجوه كثير من الأطفال؟ هلاّ فتشنا عن هذه الأرملة أو تلك المقعدة؟ هلاّ تبرعنا لهذا المدرسة أو لهذا المستوصف بما ينقصه؟ أعرف أن المسؤولية هي مسؤولية "الدولة" لكن ماذا لو غسلنا أيدينا بالماء والصابون والديتول من هذه "الدولة" النجسة؟ هل نكتفي بأن "الخطية برقبة فلان وعلان" من التجار والسماسرة واللصوص؟ ومن للفقراء؟ ومن للمساكين؟ ومن لعابري السبيل؟ ومن للعاملين عليها وفي الرقاب والمؤتلفة قلوبهم والجار ذي القربى والجار الجنب؟ أمّا اذا ائتلفت قلوب جمع ممن هذا وصفهم وخلصت نياتهم فستنهض مدارس وترتفع مستوصفات ورياض أطفال ودور يتامى وعجزة تلهج ألسنتهم صباح ومساء بأسماء من سعى ومن بنى وترتفع أكفّهم وأيديهم بالدعاء له. هذه هي الصدقة الحقيقية. صدقة عامة جماعية شاملة كالمطر يشمل ويحتوي ويسقي الأرض والبشر. أمّا الصلاة وأما الصوم وأمّا العمرة فإنها (دوش) قد يطهر وقد لا يطهر، قد يبلل الجسم لكنه قد لا يزكّي القلب، وقد تعود بالرضى والراحة على من يمارسها لكنّها لا تشمل غيره وسواه. حالات ثابتة لم تقدم إلا نفعا فرديا، هذا إذا صدق الإيمان وسلم الدين.

 

د. بسّام البزّاز

في المثقف اليوم