أقلام حرة

صادق الباكستاني وكريم العراقي

tarik alrobaieيقول المثل الصيني (لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف اصطاد) فالحاجة غالبا ما تكبل حرية الإنسان، وتشل قدرته، وتقتل روح الإبداع فيه. العمل وتوفير المناخ الملائم هو من يمنحه الإحساس بوجوده واستقلاله ويفجر طاقاته الكامنة. لقد عًلًمت الدولة البريطانية صادق خان البريطاني المسلم كيف يصطاد، ووفرت له كل الأدوات اللازمة للعمل، ووضعت أقدامه على بداية الطريق، فانطلق في مسيرة حياته العملية ليصل إلى منصب عمدة لندن في الانتخابات التي جرت مؤخراً في بريطانيا،بعد فوزه على منافسه المليونير زاك غولد سميث، وبذلك يكون أول مسلم في أوربا  يشغل هذا المنصب المهم . لو بقي صادق خان في بيئته الملوثة بالمتطرفين وبالحركات الأصولية التكفيرية لما تقدم خطوة واحدة، ولبقي هامدا متلفعا بعباءة الكسل يمد يده للدولة العاجزة يطلب منها سمكة يسد بها جوعه .

هناك نموذج آخر مشابه لصادق خان الباكستاني، وهو كريم الترابي الذي يضفي على اسمه هذا اللقب اعتزازا منه بأحد ألقاب الإمام علي بن أبي طالب، فمنذ أكثر من عشرين عاما هاجر كريم الترابي من العراق، مثل طير تحرر من سجن الطاغية الكاتم على الأنفاس، وبقي مشدودا إلى جذوره السومرية يفتخر بها ويشعر بالزهو لإنتماءه إليها . وفي سويسرا حيث حط رحاله هناك، شعر بأن الأبواب مفتوحة أمام كل من يريد أن يعمل ويثابر، وان لاقيود مكبلة للعقل، ومثبطة للهمم، أو قامعة للفكر . لقد وجد دولة المواطنة التي لم يجدها في بلاده المحتلة من قبل زمرة متخلفة . تلك الدولة قد منحته المزيد من القوة للمضي إلى الأمام . فبدأ ينهل من علوم وثقافات الأمم الأخرى، وليتبوأ منصب رئيس المجلس السويسري لحقوق الإنسان، ثم ينال شهادة الماستر في علم البرمجة اللغوية العصبية والتنمية البشرية ثم أستاذا لتلك المادة في جامعة لوغانو السويسرية إضافة الى نشاطاته العلمية والثقافية الأخرى . لقد أعطته الدولة السويسرية الصنارة، وعلمته كيف يصطاد، فكان صيده ثمينا .

صادق خان وكريم الترابي بذرتان، تم وضعهما في التربة الملائمة، فازدهرتا وأثمرتا خيرا . وبعثتا برسالة إلى حكومات التخلف واللامبالاة في العراق وباكستان مفادها أن الله وهب بنو البشر عقل واحد بالتساوي، فلا فرق بين عقول الاميركان والفرنسيين والعراقيين والباكستانيين، إنما هي البيئة السياسية والاجتماعية التي تتيح لتلك العقول آن تشتغل وتبدع وتفصح عن طاقاتها الخلاقة إذا كانت بيئة سليمة، وتكبلها وتدمر قدرتها إذا كانت بيئة مشوهة تعيق الحركة، وتضع عشرات الحواجز والقيود أمام العقول، فتستمرء الخمول وتنطفئ جذوة التفكير فيها كما هو الحال في البيئة العراقية الملوثة  . إن الثروة الحقيقية لا تكمن تحت الأرض بل في ذات الإنسان . وهذا ما يجب أن توليه الدولة الكثير من الاهتمام والعناية من خلال توفير الدعم اللازم لكل العراقيين، وفتح أبواب العلم والمعرفة أمامهم، ورفع المعوقات التي تقف في طريقهم وتحد من نشاطهم وحرية تفكيرهم . ولأجل ذلك لا بد أن تتوفر إرادة سياسية واجتماعية قوية تخلق هذا المناخ الملائم . فمتى نبدأ بالتخطيط لوضع إستراتيجية شاملة لاستثمار صناعاتنا الثقيلة المتمثلة بالإنسان العراقي ؟

 

طارق الربيعي

  

في المثقف اليوم