أقلام حرة

هشّ كالبسكويت رخو كالخاصرة

لم استمع اليوم إلى أيّة نشرة للأخبار ولا إلى أيّ تعليق أو تحليل تناول الهجوم الإرهابي الذي تعرّض له معمل الغاز في التاجي.

ولم تسمح لي مشاغلي بالتطلّع إلى الشاشة وهي تنقل صورة أحد محللينا وصوته وهو " يحلل " ما جرى. مع ذلك أكاد أخمّن أنّ " خبيرا أمنيا واستراتيجيا " ظهر على قناة واحدة أو أكثر من قناة ليقول بأنّ الإرهاب نجح في هجومه لأنّه ضرب في منطقة " هشّة ".

أمّا علام أبني تخميني هذا فعلى حادثة سبقت هذه وكانت أكبر منها وأخطر، تلكم هي الهجوم الذي وقع قبل عام من الزمان تقريبا على مصفى بيجي ومحطته الحرارية وكلّفت القوات المسلحة وقتا ودماء كثيرة. فقد وصف أحد " الخبراء الاستراتيجيين " العراقيين آنذاك بأنّ الإرهابيين فازوا ببغيتهم لأنّ مصفى بيجي " منطقة هشّة ". وقيل الشيء ذاته حين الحديث عن سد الموصل.

فإذا كان مصفى نفط يغذّي لا أدري كم من مساحة العراق بالطاقة والوقود، وإذا كان معمل غاز تنهار بضربه منظومة الكهرباء والغاز في جزء كبير من البلد أو من العاصمة، وإذا كان سد مائي كبير يغرق انهياره نصف مساحة العراق بأرضه وناسه، مناطق " هشّة " فلماذا لا تعضّد ولماذا لا تسند ولماذا لا تزوّد بالحماية الكافية اللازمة.

يعمد الملاكم على وقاية أسنانه وتقوية عضلات بطنه وخاصرته لأنّ البطن والخاصرة منطقتان هشتان. وكذلك يفعل رافع الأثقال.

ويضع لاعبو كرة القدم أيديهم على المنطقة الحميمة من أجسادهم قبل تلقّي الضربة الحرة غير المباشرة لأنّهم يدركون جيدا أنّ المنطقة الحميمة منطقة هشّة.

ويعمد سائق الدراجة النارية إلى اعتمار الخوذة الواقية للرأس لأنّ الرأس هي الرأس ولأنّها منطقة هشّة. وكذلك يفعل سائق الفورمولا واحد.

حتّى الراعي الأمي يعزّز دفاعاته عن غنمه بالكلاب

وكذلك يفعل البنّاء والمهندس حين يقوّيان مناطق الارتكاز ومناطق الثقل في العمارة والجسر والبيت.

قوانين فيزيائية وطبيعيّة وبديهيّة يعرفها العالم والجاهل ومتوسط العلم والصفر من كلّ علم.

فما بال " حماتنا " لا يضعون تلك القوانين وتلك البديهيات في أولوياتهم الاستراتيجيّة.

وما بالهم لا يعيرون بالا للمهزلة التي تجري على طول الوطن وعرضه؟

وما بالهم يضعون سلما غريبا، بل مشبوها، لأولويات اهتماماتهم الأمنيّة؟

وما بالهم يغطّون الوجه ولا يحمون الرأس؟

وليتهم غطّوا الوجه وحموا الذمار. ليتهم غطّوا أيّ شيء...أيّ شلو من جسد الوطن...أيّة قطعة من أرضه وترابه. أيّة فرقة او أيّة طائفة من طوائف أبنائه.

لقد عاد الوطن من أقصاه إلى أقصاه منطقة هشّة رخوة ومستباحة ومغتصبة. صار مرتعا للذئاب والغربان والضباع. فقد نامت النواطير وماتت الضمائر وانحلّت عرى كلّ حبل...

صار العراق هشّا مقرمشا كالنستلة أوكالبسكويت.

 

د. بسّام البزّاز

 

في المثقف اليوم