أقلام حرة

تهويمات بين الأمس واليوم

khamil aladadمع كل صباح، بعد تناول الفطور أجلس على شرفة شقتي المطلة على واد عميق، تلوح في الأفق منه بيروت وهي محتضنة البحر المتوسط على الطرف الممتد أمام البصر. انه المنظر اليومي الذي يثير في النفس تأملات وتهويمات وربما أماني تطال ليس المصير الشخصي، إنما تلامس شغف العقل والروح بذلك الوطن الأم الذي إبتعدنا أو جُبرنا للإبتعاد عنه، ليس فقط بسبب الإرتباط بعمل لدي منظمة الأسكوا التي إتخذت من بيروت مقرا لها فقط، وإنما ايضا للبحث عن الذات التي هامت طويلا بحثا عن أمل ليس فقط عن العودة للعراق، إنما اساسا عن عودة العراق ذاته؛ هذا الوطن المعفر والذي يكاد أن يضيع بمعاول ساسته والمتحكمين في أمره اليوم، ومنذ عام 2003!

صحيح أن سفراتي الى بغداد، لعدة مرات، سنويا لم تنقطع، ولكني كلما أحط في بغداد، يسعدني أن أذهب لتناول الشاي في مقهى الشابندر في شارع المتنبي، هذا الشارع الذي صار قبلة المثقفين والكتاب والسياسيين وقارئي الكتب التي تُعرض كالزهور على طول أرصفة الشارع ومكتباته العامرة بتواضع من جهتي الشارع، فتحسّ أنك في عالم يغلي بأحلام وآمال وشغف من أجل الحياة. هذه بغداد، وقيل أنها كانت أم الدنيا في يوم ما من الماضي البعيد ! اليس فيها ما يكفي من العقول التي تعيها، ومن الرجال والساسة، (ومنهم من يملء صراخهم الصفحات والمجالس)، لإجتراح الخلاص من تراكمات الفقر والتخلف والإرهاب وغياب الإستقرار وهدر الأموال والنهب والفساد وفقدان آلاف الرواح البريئة كل يوم تقريبا، منذ ما جرى ما سُميّ بتحريرها على يد الغزاة الأمريكان وحلفاؤهم في 9 نيسان من عام 2003 ؟؟ ما هو السبب يا ترى ؟؟ لعل السبب الرئيس هو ليس فقط حداثة التجربة بالديمقراطية، كنظام لتنظيم الحياة السياسية بعدما كان الشعب معتادا على نظم ديكتاتورية صارمة وعارمة، وخصوصا منها نظام صدام المستبد الذي دام حكمه لأكثر من ثلاثين عام. لا ليس هذا فقط، بل إبتدع القادة السياسيون الجدد الذين جاؤا بناقلات الجيش الأمريكي الغازي، إبتدعوا الطائفية والتمييز بين أبناء الشعب الواحد على وفق أساطير مضى عليه أكثر من 1300 عام؛ والتقسيم الطائفي ينفع المحتل أيضا بل وبعض دول الجوار، والذين يعتاشون على فوضى تمكنهم من سرقة الأموال والمناصب والإمتيازات. وفي شعب طيب يمكن أن تغرس السؤ والإنقسام بسهولة، ليس فقط بسبب الجهل، إنما التجهيل أساسا. فلو حلل الدارسون مكمن التمايز الطائفي على وفق المدخل التأريخي للدين الإسلامي وظروف إنقساماته الفقهية، لما وجدوا أكثر من حكايا لا تلامس أي جوهر في الدين، إنما هي شكليات طقوسية طفيفة وتفسيرات مغالية لإحداث تاريخية مضت منذ أكثر من 1300 عام، ولا صلة لها بقول أو فعل للإمام علي الذي يعبده بعض الشيعة ! قال عمر إبن الخطاب الخليفة الثاني بعد أبي بكر الصديق، في معرض حديثه عن الإمام علي؛ "لولا علي لهلك عمر !"، في إشارة لدعم ومؤآزرة الإمام علي للخليفة عمر في إدارة حكمه !! فهي إذا بدعة طُليت عبر القرون ليس فقط لإستغفال الشيعة، بل لإستغلالهم ولتقسيم الشعب لخدمة مصالحهم ومصالح أولياؤهم من الغزاة والقوى الإقليمية والدولية صاحبة المصالح، وخصوصا منها مصالح شركات النفط والساسة المعتاشين على هذه الإنقسامات المدبرة والمستنهضة بمعونة أصحاب العمائم والجاعرين بالنفس الطائفي المقيت والذي لايمت بصلة للإسلام وقيمه الاصيلة وغير المفبركة.

بدون وعي الحقيقة، سيبقى الشعب العراقي مستغفلا، مُستغلا، مستباحا لا مستقبل له ولا أمل، كما سيبقى أيضا حاملو الطائفية السنية بذات الخسران، مما يستدعي شحذ الهمم لحرق هذا الزيف والنهوض كتفا لكتف لبناء وطن الأباء والأجداد، فهل وعينا ؟؟

 

د. كامل العضاض

مستشار سابق في الأمم المتحدة

 

في المثقف اليوم