أقلام حرة
فيصل رشدي: عمر الحضرامي شخصية كاريزماتية بعيون عربية
هناك من الأشخاص من يتركون التاريخ يتحدث عنهم، منهم من مات، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، والتاريخ يذكرهم جميعا، بفضل ما قدموه للبشرية من منجزات شامخة ظلت شاهدة عليهم.
قرأت فيما مضى كتاباً بعنوان "الأسرار الجديدة للكاريزما" للكاتب دولانج، ووجدت بأن الشخص الكاريزما هو الشخص الذي يؤثر في الآخرين"، ويضيف دولانج أن :"الشخصية الكاريزماتية تتألف من ثلاثة عشر نوع، يصنف دولانج كل واحدة على حدا، ويقف عند "الكاريزما السياسية أو القيادية باعتبارها شخصية قوية وفعالة في المجتمع".
وضيفنا المتحدث عنه في هذا المقال، رجل أثر في مجتمعه الصغير قبل الكبير ووصل صيته إلى العالم العربي بآسره.
في حوار دار بين شخصين في مقهى "باليما" الشهير بمدينة الرباط المغربية، وهذا ما جاء فيه:
على الساعة السابعة مساءً، يجلس الصحفي الفرنسي أنطونيو دو لاكروا، في الكرسي الأمامي وحيدا، شاب في أواسط الثلاثينات، طويل القامة، ذو شعر أشقر، وعينان زرقاوان، يضع نظارة على عينيه، ينتظر مجيء صديقه.
لحظة فإذا بي أبحث عنه، نظرت هنا وهناك علني أرى أنطونيو، فإذا بأنطونيو يلوح بيديه، صديقي أنا هنا.
جلست إلى جانبه، مرحبا به بعد غيبة طويلة طالت الثلاث سنوات.
فأخذنا نتجاذب أطراف الحديث.
سألني دو لا كروا : صديقي العزيز، كما تعلم بأنني باحث في القضايا العربية والمغاربية على وجه الخصوص، كنت أبحث ذات مرة عن أخبار الصحراء وأهلها، فإذا بي أعثر على شخص اسمه عمر الحضرامي.
سألني:
- هل تعرفه؟
أجبته:
- سمعت عنه الكثير، أظن أنني التقيته مرة أو مرتين، إن لم تخن الذاكرة .
سألته أنا بدوري ماذا قرأت عنه؟
أجابني:
* صديقي العزيز هذا الشخص، يعتبر من أذكى أبناء الصحراء، فلا يمكنني أن أعرف الشخص ما لم أرجع إلى بداياته الأولى، هذا ما جعلني أخصص وقتا كبيرا لدراسته، فمن خلال بحثي عنه عرفت على أنه ينتمي إلى قبيلة الركيبات شرفاء لبيهات، فهو حفيد الولي الصالح بابيه الشيخ" المولود عام 1700 بالساقية الحمراء، ويوجد قبره بقرية أسرير الواقعة بالقرب من مدينة كلميم.
فعمر يا صديقي العزيز، هو من مواليد 1949 بمدينة أسا، تلقى تعليمه الابتدائي كباقي أبناء الصحراء حيث حفظ القرآن، وانتقل بعد ذلك إلى الدراسة بكل من بوزكارن والرباط.
وفي الرباط أكمل تعليمه الجامعي وولج مدرسة الأساتذة تخصص اللغة الفرنسية، ليؤهل بعد ذلك أستاذا للغة الفرنسية.
قطع هذا الحوار نادل المقهى.
سألني ماذا تشرب يا أستاذ، أجبته:
* عصير الليمون
سأل صديقي: وأنت؟
* S'il vous plait un café من فضلك قهوة
فقلت لأنطونيو ألا يمكنك أن تكمل حديثك
أجابني بلى.
* عمر الحضرامي يا صديقي العزيز، هو اسم حركي أما الاسم الحقيقي فهو "محمد عالي العضمي"، لكنه يفضل اسم عمر الحضرامي. فمن خلال بحثي عن الاسم وجدت أن اسم الحضرامي هو اسم شائع لدى أهل الصحراء، لكنه مأخوذ من اسم الحضرامي المرادي، وذاك شخص له ألف حكاية وحكاية ولا يسعني إلا أن أقول عنه أن رجل زمانه.
أما عن عمر الحضرامي، فهذا الشخص جعلني أقف أمامه محتارا فهو يا صديقي العزيز يتميز بثلاثة مميزات.
سألته : ما هي؟
أجابني: التفاني في العمل، وغزارة الثقافة، والحكمة.
صديقي العزيز: سأحدثك عن كل ميزة على حدا
أولا: التفاني في العمل
فالحضرامي عقل مدبر، وله خبرة شيخ طاعن في الحياة. لعلمك يا صديقي، فقد كان عاملا في عدد من المدن المغربية، واستطاع أن ينجز عدة مشاريع مرتبطة بالبنية التحتية للمدن، فمدينة سيدي قاسم عاشت قبل مجيئه معاناة، وتكمن هذه المعاناة أساسا في تدني الطرقات، ما إن شرع عمر في مساره العملي،
حتى بدأ الأشغال وأصلح كل شيء في المدينة. فأصبحت مدينة سيدي قاسم مدينة حديثة النشأة، وأصبح عمر شخصية محبوبة من لدن الجميع.
نفس الشيء عمله في كل من قلعة السراغنة وسطات، فقد أدخل العديد من الإصلاحات على هاتين المدينتين، ناهيك عن مشروع المياه الذي أنقذ به مدينة سطات، التي كادت أن تغرقها المياه.
ثانيا : غزارة الثقافة
عمر الحضرامي، شخص مثقف وله ثقافة موسوعية، وله أيضا علم الفراسة يقرأ الأشخاص بطريقة سريعة، ما أن ينظر إلى الشخص حتى يعرف بماذا يفكر، ناهيك عن موهبته في التعامل مع الأشخاص، وطريقته في حل مشاكلهم، فإذا تحدث إلى أي شخص فهو يعرف كيف يتعامل معه بفكره وعمره، وله ذكاء خارق ما شاء الله عليه.
ثالثا: الحكمة
فعمر حكيم، والحكمة لا يمتلكها إلا شخص جرب الحياة وفهمها، له قدرة هائلة على التحليل والإجابة، فكره راق وعقله سليم وكلمته لها وقع لا يعرفه المرء إلا بعد مدة من الزمن.
فهمت يا صديقي دو لا كروا.
معللا دو لاكروا : فهذه مميزات يتميز بها عمر الحضرامي، فهو مؤثر وله صيت مغاربي، وعربي وعالمي، سمعت ذلك من بعض الأصدقاء العرب، فقد كتبت عنه إحدى الكاتبات العربيات رواية كاملة، وهذا إن دل فإنما يدل على قدرة الرجل ومكانته العربية والعالمية، وهناك دراسات عن الرواية وتم دراسة شخصه باعتباره فتى الصحراء المثقف.
حتى الفرنسيون والأسبان والأمريكيون يعرفونه، وقالوا لي بأنه شخص مؤثر، وله زاد ومعرفة شاملة بخبايا الأمور ما أن تجلس بجانبه حتى تندهش من ثقافته الواسعة.
صديقي العزيز: الحضرامي هو رجل ابن الأصول وأصله شريف كما سلف الذكر، يكره الظلم ويحب العدل وينصف المظلوم ويطعم الجائع ويأوي الغريب، باختصار فهو جمع أربعة مزايا دفعة واحدة ابن بار وأب حنون وأخ كريم وابن عم عزيز.
تساءلت في نفسي: كيف يعرف هذا الأجنبي كل شيء عن عمر الحضرامي ولا أعرفه أنا؟ هناك حلقة مفقودة، لا نعرف أين هي، يكرم الشخص خارجا، ولا يكرم داخل وطنه.
لحظتها رن هاتفي النقال: فإذا بزوجتي تناديني أين أنت؟
قلت لها: أنا في المقهى.
فردت علي قائلة:
أريد أن أذهب إلى المستشفى لأكشف عن حملي فقد وصل شهره الثامن.
قلت لها: طيب سأحضر.
سألني أنطونيو : ماذا بي زوجتك؟
أجبته: إنها حامل في شهرها الثامن، وتريدني أن أذهب معها إلى المستشفى؟
فسألني: إن رزقت بولد ذكر، ما الاسم الذي سوف تطلقه عليه ؟
أجبته: عمر الحضرامي.
فيصل رشدي - باحث من المغرب.