أقلام حرة

جائزة نوبل في الأدب وترشيح الشاعر مظفر النواب لها

talib abdulamirدون أدنى تردد أقول أن مظفر النواب يستحق بجدارة نيل جائزة نوبل في الأدب، وهو ما تنطبق عليه وعلى شعره اكثر السمات التي ضمّنها آلفرد نوبل في وصيته الشهيرة، فيما يتعلق بجائزة الأدب تحديداً دون غيرها، واعنى بها أن يكون أدباً هو الأكثر تميزاً وبإتجاه مثالي، بالرغم من صعوبة فهم ما عناه نوبل بهذه المسألة. وأعني به مثالية الأدب. لكن من خلال تبريرات منح الجائزة الى كم كبير من نالوها، عبر قرن  وما يقرب من العقدين، هو عمر الجائزة، أجد أن جل هذه التبريرات او التقييمات تنطبق على شعر النواب.

ومن خلال متابعتي لما كتب، خلال اليومين الآخيرين، من ردود افعال على إعلان الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ترشيح الشاعر مظفر النواب لجائزة نوبل. وقد إنقسم المتفاعلون مع الحدث بين مؤيد ومعارض ومشكك ومن اطلاق تكهنات وتصورات لا اساس لها، وبعضها باندفاع عاطفي وما شابه. لا اريد تناول هذه الكتابات، بل أحاول طرح بعض المعطيات حول كيفية عمل الأكاديمية السويدية في إختيار الفائز أو الفائزة بالجائزة، من خلال متابعتي وتغطيتي الإعلامية، سنوات طويلة، لها، والتي حمّلها صاحبها، شرطاً ذا دلالات قابلة للتفسير، والتأويل والذي اسميته "معضلة الجائزة" في كتابي المعد للطبع، الذي سيصدر قريباً بإسم "نوبل ومثالية الأدب".

تسير عملية إختيار الفائزين بجوائز نوبل جميعها وفق نظام دقيق وخاص، قد لا يكون له مثيل في بلدان العالم الأخرى. وتشترك في هذا النظام لجان متعددة متوزعة على الاكاديميات المعنية، تتألف كل لجنة من هذه اللجان من ثلاثة الى خمسة اعضاء تنحصر مهمتهم في تسمية الفائزين، وتستعين هذه اللجان بفئة خاصة من الاشخاص تجيز لهم إعطاء آرائهم بالمرشحين. ومن بين هؤلاء الاشخاص الفائزون القدامى، الذين يُعتمدون كمستشارين يدلون بآرائهم بالمرشحين الجدد ويحق لهم اقتراح آخرين لنيل الجائزة.

وفي ايلول، سبتمبر من كل عام ترسل لجان نوبل دعوة الى المؤسسات صاحبة الشأن لتسمية مرشحيها لجوائز نوبل. وهذه الدعوة محددة بزمن لا يمكن تجاوزه، حيث يكون الحادي والثلاثين من يناير، كانون الثاني آخر موعد لوصول اسماء المرشحين الى اللجنة. ثم يبدأ بعدها البحث والتحقيق في الاسماء المقدمة، ويُستثنى من هذه الاسماء الاشخاص الذين يرشحون أنفسهم. ثم تأتي الخطوة اللاحقة في حصر الاسماء المرشحة بمجموعة قليلة، كمرحلة اولى تتم فيها "غربلتهم" بالاستعانة بخبرات مستشارين من خارج هذه اللجان. وفي اكتوبر، تشرين الأول من العام الذي يليه، يُتخذ القرار النهائي.

تنحصر معرفة الفائزين بالجائزة، للعام المعني، بثلاثة اعضاء فقط في كل لجنة، وجدير بالذكر ان جميع الجوائز تمنح لأشخاص، ما عدا جائزة السلام التي تشذ عن هذه القاعدة حيث يمكن منحها الى منظمات او مؤسسات دولية. وتخضع الإجراءات المتخذة لتسمية الفائزين الى كتمان سر شديد. كما تنص اللائحة الداخلية المشتركة للجان نوبل على ان لا يتضمن محضر اجتماعاتها اية اشارة الى اختلاف الاراء فيها حول المرشحين لنيل الجائزة. كما ان هناك نصاً واضحاً وصريحاً في هذه الاحكام يؤكد على ان جميع النقاشات والدراسات المتعلقة باتخاذ قرار حول الفائز بجائزة نوبل في المجال المعني تجري بسرية تامة ولا يسمح بالإطلاع عليها الا بعد مرور خمسين عاماً عندها تصبح هذه الوثائق بمتناول تحليلات الباحثين والنقاد وغيرهم.

وفيما يتعلق بالمرشحين لنيل جائزة نوبل في الأدب، فهي تجري من قبل أشخاص ذوي اهلية خاصة. ويعرّف النظام الداخلي للاكاديمية السويدية الاشخاص المؤهلين بأنهم أعضاء الاكاديمية السويدية والاكاديميات الاخرى التي لها ذات المهام والاختصاصات التي تتمتع بها الاكاديمية السويدية، بالاضافة الى اساتذة جامعيين مختصين في الأدب او اللغة، وحائزين على جائزة نوبل سابقاً، (هؤلاء لا يحق لهم ان يرشحوا لنيل الجائزة مرة ثانية)، بالاضافة الى رؤساء اتحادات الكتاب التي تمثل النتاج الأدبي لبلدانهم. وقد حددت الاكاديمية أهمية ان تجري معالجة اسماء المرشحين بسرية تامة بالنسبة لكلا الطرفين، الجهة المرشحة والاكاديمية. ويفضل أن تكون هذه الترشيحات مرفقة بتبريراتها للترشيح، ولكنَّ هذا لا يشكل شرطا اساسياً.

الشرط الأساسي هو أن تصل هذه الاسماء قبل الأول من فبراير، شباط من العام الذي يليه. واسم المرشح الذي لم يفز بالجائزة في العام المعني لا ينتقل اسمه الى العام الذي يليه او الى الاعوام الاخرى بشكل تلقائي، بل يجب ان يرشح من جديد.

تستقبل الاكاديمية السويدية الترشيحات بلغات مختلفة، ونظرا لأن العالم يحتوي على لغات كثيرة العدد، فقد حددت الاكاديمية السويدية في نظامها الداخلي فقرة تشير الى انها معفاة من التعامل مع الترشيحات المقدمة بلغة من الصعب تفسيرها او أن ترجمتها  تتطلب تكاليف عالية. غير أن اللغة، كما يؤكد اعضاء الاكاديمية لم تقف عائقا أمام التعامل مع الترشيحات، وذلك لأنه، في اغلب الحالات، يختار مقدمو هذه الترشيحات، وهم الاشخاص الذين لهم الصلاحية بترشيح آخرين او المؤسسات الأنفة الذكر، اللغة التي يحسبون انها مفهومة في الأكاديمية. وبلا شك فإن الانجليزية والفرنسية والالمانية، بالاضافة الى السويدية، تأتي في مقدمة اللغات التي يتعامل بها اعضاء الاكاديمية.

وفي السنوات الأخيرة دأبت الاكاديمية السويدية على اختيار كتاب محددين تتم ترجمة اعمالهم الى اللغة السويدية، اذا لم يتسن للاكاديمية الاطلاع على نتاجاتهم بلغاتهم الأصل، بل بواسطة لغات معروفة أخرى، ومن اجل التعمق في فهم نتاجات هذا الكاتب او ذاك، يعهد الى مترجم لنقل نتاج ابداعي مميز للكاتب المعني الى اللغة السويدية مع ترجمة سيرته الأدبية. وبهذه الطريقة نالت، سبيل المثال، الشاعرة البولونية فيسوافا شيمبورسكا جائزة نوبل في الأدب لعام 1996.  وخلال الفترة الفاصلة ما بين وصول المقترحات بخصوص المرشحين، قبل حلول الأول من فبراير، وحتى نهاية سبتمبر/ أيلول، من نفس العام، تقوم الاكاديمية بمعالجة الترشيحات المقدمة ابتداءً بوضع قائمة بها حتى عملية "غربلتها" وتقليص عدد المرشحين الى ما بين خمسة عشر وعشرين اسماً، ثم الى خمسة أسماء، فيما يعرف بالقائمة الصغرى. وبعد عدة اجتماعات للجنة الجائزة، تبدأ منذ منتصف سبتمبر، ايلول، لمناقشة المرشحين تجري فيها مناقشة رأي كل عضو من اعضائها في المرشح الذي يراه مناسبا لنيل الجائزة مع تقديم التبريرات المقنعة لذلك. المناقشات النهائية تتواصل حوالي اسبوعين، وتنتهي عندما يحصل احد المرشحين على اغلبية الاراء، عندها يحدد يوم الخميس الذي يلي آخر اجتماع من اجل التصويت النهائي على المرشح وتحديده فائزا بجائزة نوبل للعام المعني. ويتمتع كل عضو في لجنة الجائزة، بما في ذلك السكرتير الدائم بصوت واحد.

ولكي يفوز المرشح بالجائزة عليه ان يحصل على أكثر من نصف الاصوات. وقبل اسبوع واحد من التصويت النهائي يقدم السكرتير الدائم للاكاديمية صيغة مقترح لتبرير منح الجائزة الى الفائز، وفي العادة يتضمن هذا المقترح القضايا الابرز التي وردت في تعابير الاعضاء عند طرح ارائهم بالمرشح ـ الفائز، مضافا اليه استعارات صورية، بلاغية لتقييمات الاعمال الأدبية للكاتب والتي على اساسها تم اقراره فائزا بالجائزة. وغالباً ما تأتي عناصر في هذا التبرير من البناء الفني في المواضيع التي يطرقها الكاتب الفائز بجائزة نوبل، المستلهمة من البيئة التي عاشها وابدع فيها في موطنه الاصلي، او الرقعة الجيوثقافية التي ينتمي اليها، مع أن هذه الصورة تبدلت ايضاً ونال الجائزة كتاب أبدعوا خارج نطاق جغرافيتهم الثقافية، بمعنى انهم أنتجوا في بلدان المنافي او المهاجر.

 

طالب عبد الامير - كاتب وإعلامي مقيم في ستوكهولم

...................

هذا المقال تم ارساله الى الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق

 

في المثقف اليوم