أقلام حرة
المسلم ساجد جاويد وزيرا لداخلية بريطانيا العظمى!
أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية ”تيريزا مي“ اليوم الإثنين الثلاثين من نيسان تعيين ساجد جاويد وزيرا للداخلية في حكومتها، خلفا لأمبر رود التي قدمت استقالتها في وقت متاخر من مساء يوم أمس، ليصبح اول وزير مسلم يتولى منصبا حسّاسا في المملكة المتحدة. وياتي تعيين جاويد بعد فضيحة مهاجري الكاريبي التي اطاحت بوزيرة الداخلية السابقة ، المتهمة بتضليل البرلمان حول أهداف تم وضعها لترحيل مهاجرين غير الشرعيين !
الدروس المستفادة من هذه القضية كثيرة ومتعددة وحري بالسياسيين العراقين وفي طليعتهم الإسلاميين منهم الإستفادة منها وإن كان هؤلاء طبع على قلوبهم فهم لايفقهون. أول تلك الدروس هو ان أي مسؤول حكومي بريطاني لا حصانة له امام البرلمان، وهو معرض للمسائلة في حال ارتكابه لاي خطأ او تقديمه لمعلومات كاذبة أو تضليله للبرلمان فضلا عن قضايا الفساد التي تؤدي بصاحبها الى السجن.
لم يشفع لأمبر رود أن حزب المحافظين الذي تنتمي اليه فاز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، وان الحكومة البريطانية شكلها حزب المحافظين لوحده بالرغم من تحالفه مع حزب ايرلندي صغير لضمان الأغلبية البرلمانية. ولم يشفع لأمبر رود انها مقرّبة من رئيسة الوزراء، واخيرا فلم ينقذها ان القضية التي اطاحت بها لم تكن تتعلق الا بلمف هامشي الا وهو ملف مهاجرين غير شرعيين!
فأمبر رود لم تتهم بالفشل في حماية المواطنين البريطانيين من الهجمات الإرهابية ، ولا باستيراد اجهزة فاسدة لكشف المتفجرات ولا بالفشل في إدارة وزارة الداخلية فتلك التهم لو كانت موجهة لها فإنها تطيح بالحكومة وليس فقط بأمبر رود. لكن مجرد تقديم معلوملت مضللة الى البرلمان حول المهاجرين أجبرها على الإستقاله.
واما الدرس الثاني فإن حزب المحافظين الحاكم ماكان بإمكانه إفشال أي تصويت في البرلمان لحجب الثقة عن رود بالرغم من أنه يمتلك الأغلبية البرلمانية مع الحزب الإتحادي الأيرلندي، لإن القيم الأخلاقية الحاكمة تمنع حصول ذلك لإن ذلك يعني سقوطا مدوّيا لحزب المحافظين في انظار المحافظين. ولذا فإن كل حزب يتخلى عن أي قيادي فاشل او فاسد فيه بلمح البصر ولا يدافع عنه او يثبته في منصبه، وعند مقارنة ذلك بالوضع في العراق فإن كل حزب يستقتل للدفاع عن وزيره وإن كان فاسدا او فاشلا او مجرما ، والأمثلة غير قابلة للعد.
واما الدرس الثالث فهو مدى قوة أعضاء البرلمان الذي تخضع رئيسة الوزراء امامهم للمسائلة مرة كل أسبوع حيث تتعرض الى سيل من الإنتقادات ، وحيث يستجوب أي وزير تحوم شبهات حول ارتكابه لأبسط مخالفة ، وحينها يتخلى عنه حتى نواب حزبه إكراما لقيم الديمقراطية وللتعهدات التي قطعها النواب امام الناخبين. فالبرلمان ليش غطاءا لفساد المسؤولين وهو ليس مكانا لإقتسام ”الكعكه واخذ الكوميشينات“ بل هو مكان للمحاسبة والوفاء بالإلتزامات امام الشعب.
واما الدرس الرابع فإن تعيين خليفة لأمبر جاء بعد بضع ساعات من استقالتها ولم يظل شاغرا لأشهر او لأربع سنوات وكما حصل في زمن الحكومة السابقة التي ظل منصب وزير الداخلية شاغرا فيها لمدة اربع سنوات كما ولم تحتفظ رئيسة الوزراء لنفسها بالمنصب بالرغم من انها كانت وزيرة للداخلية قبل أمبر.
وأما الدرس الأخير فإن هذه الوزارة السيادية والهامة في بريطانيا لم يخضع التعيين فيها للمعايير الدينية أو القومية او المذهبية ، إذ تم تجاوز كل تلك المعايير البالية وتم تعيين شخص من أصول باكستانية قدمت عائلته مهاجرة الى البلاد عام 1961 ، حيث ولد جاويد لاحقا لأبوين مسلمين شيعيين كما وانهما لم يكونا من طبقة ثرية، بل من طبقة فقيرة إذ عمل والده سائق حافلة.
لكن جاويد اكمل تحصيله العلمي وبدا مشوارا سياسيا طويلا حيث أصبح عضوا في البرلمان منذ العام 2009 ولم يتولى منصبه وفقا لقواعد المحاصصة بل لكفاءته وتجربته ومؤهلاته الأكاديمية. ويأتي تعيينه بالرغم من الهجمة الإعلامية الشرسة التي تغذيها جهات متطرفة ضد المسلمين بسبب الجماعات الإرهابية، لكن تلك الأصوات النشاز لم تؤثر على قرار رئيسة الوزراء البريطانية.
دروس هل سيستفيد منها الشرق المريض وخاصة تلك الدول التي تتمتع بنظام برلماني مثل العراق الذي يهيمن على الحكم فيه حزب الدعوة الإسلامية الذي طالما تغنى وطوال عقود بالسعي لإقامة دولة تسودها قيم الإسلام؟ فقد أثبتت تجربة هيمنته على الحكم طوال ثلاثة عشر عاما بأنه لايمتلك ذرة من القيم الإسلامية او الأخلاقية ، إذ لم يكن يسعى في الواقع الا لإقامة دولة الفساد والتخلف وتدمير القيم الإسلامية وإثارة نقمة الشارع على كل ماهو إسلامي، فكانت سيرته في الحكم مكملة لمشوار التنظيمات الإرهابية فكلاهما وجهان لعملة وادة ألا وهي عملة تشويه الإسلام مع فارق واحد وهو ان حزب الدعوة تاجر بدماء الشهداء وبمظلومية اهل البيت عليهم السلام.
ساهر عريبي