أقلام حرة

من سيشكّل الحكومة؟ تحالف سائرون أم إئتلاف فاشلون؟

تشهد الساحة السياسية العراقية ومنذ الإعلان عن نتائج الإنتخابات النيابية التي أجريت في شهر مايس الماضي، تشهد حراكا محموما لتشكيل الكتلة الأكبر التي تنهض بمهمة تشكيل الحكومة المقبلة. ويتسابق لحشد أكبر عددممكن من مقاعد مجلس النواب المقبل كل من تحالف سائرون بقيادة رجل الدين السيد مقتدى الصدر، وإئتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق والأمين العام الحالي لحزب الدعوة نوري كامل المالكي.

ويسعى الطرفان في المرحلة الحالية لتشكيل نواة التحالف الأكبر من القوى الشيعية التي حصلت على مقاعد في البرلمان وهي كل من تحالف الفتح بقيادة امين عام منظمة بدر هادي العامري وتحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي بالإضافة الى تيار الحكمة بقيادة السيد عمار الحكيم.

ومما لاشك فيه إن سعي تحالف سائرون الى تشكيل الكتلة النيابية يبدو طبيعيا باعتباره التحالف الفائز بالإنتخابات بعد حصوله على 54 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329، لكن مايثير الدهشة والحيرة والإستغراب هو سعي إئتلاف دولة القانون الذي حاز على 26 مقعدا فقط، لتشكيل الكتلة الأكبر مع إنه خسر الإنتخابات الحالية بعد حصوله على المرتبة الرابعة في تسلسل القوائم التي فازت بمقاعد في البرلمان!

ولا ينبع هذا الإستغراب من كون دولة القانون هي الخاسر الأكبر في الإنتخابات بعد أن كانت الفائز الأكبر في إنتخابات العام 2014 التي حازت فيها على أكثر من 90 مقعد نيابي، ولكن لإن هذا الإئتلاف فشل فشلا ذريعا في إدارة البلد طوال ثمان سنوات عجاف من حكم زعيمه الذي لاتزال أحلام العودة الى كرسي رئاسة الوزراء تراود مخيلته. فسنوات حكمه تعتبر واحدة من أسوا الفترات في تاريخ العراق الحديث وخاصة لمرحلة ما بعد السقوط، بعد ان عبث بمقدرات البلاد الإقتصادية، إذ اهدر قرابة الألف مليار دولار، وفشل في حل أزمات العراق الخدمية وفي بناء جيش قوي وأخيرا سلّم العراق لخلفه العبادي بخزينة خاوية وديون لشركات النفط قيمتها 15 مليار، وثلث أرضه محتله فيما حل الخراب في مختلف أرجائه.

كما وان محاولات المالكي لتشكيل الكتلة الأكبر تأتي أيضا بالرغم من وضع المرجعية خطا احمر عليه في العام 2014، وبالرغم من تأكيدها على ضرورة عدم إنتخاب المجرّبين الفاشلين والفاسدين، وبالرغم من إعلانها مواصفات رئيس الوزراء المقبل ألا وهي الشجاعة والحزم والحسم في محاربة الفساد وهي المواصفات التي يفتقر لها المالكي الذي ترعرع الفساد في عهده وبلغ مستويات غير مسبوقة في تاريخ العراق حتى تربع على عرش الفساد العالمي وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية.

لكن مايثير الإستغراب هو استجابة بعض الكتل لمساعي دولة القانون وفي مقدمتها كتلة الفتح التي حصدت 48 مقعدا بعد أن أدلت الجماهير بصوتها لها باعتبار أنها تمثل الحشد الشعبي الذي تأسس ببركة فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها آية الله العظمى علي السيستاني والتي لولاها لسقطت بغداد بيد أوباش العصر. وأما تجاوب قائمة النصر مع دولة القانون فهو امر طبيعي لإن حزب الدعوة يقود كلا القائمتين فواحدة بقيادة العبادي يغازل بها امريكا والثانية بزعامة المالكي يتقرب عبرها لإيران.

وفي مقابل دولة القانون يسعى تحالف سائرون لتشكيل الكتلة الأكبر وهذا السعي وكما أسلفت منطقي لأنه فاز بالإنتخابات فضلا عن ان هذا التحالف يضم أكبر قدر ممكن من الشخصيات النزيهة والكفوءة مثل الدكتورة ماجدة التميمي والأستاذ رائد فهمي والشيخ صباح الساعدي وآخرين. كما وان هذا التحالف أثبت محاربته للفساد بعد ان اطاح زعيمه بمعظم النواب والوزراء الذين أثيرت عليهم ملفات فساد او فشل خلال الحكومات السابقة وعلى العكس من إئتلاف دولة القانون الذي لم يقص أي فاسد منه وكذلك فعل إئتلاف النصر، بل إن إئتلاف المالكي أمعن في الإستخفاف بالعراقيين عبر ترشيح صهريه للمجلس وكذلك سائقه أيام المعارضة وآخرين متهمين بملفات فساد كبيره وخاصة ملف أجهزة كشف المتفجرات الزائفة في وزارة الداخلية. ولا تعكس هذه التركيبة سوى إصرار دولة القانون على المضي قدما في مشروعه لنهب الدولة العراقية وانعدام أي توجه لديه لتحقيق اصلاح في البلاد.

واما فيما يتعلق بالإتكاء على الخارج فإن تحالف سائرون معروف بعدم خضوعه للتأثيرات الخارجية أو الإرتباط بالدول الأجنبية، فهو مانفك يؤكد على عراقية الحل ودون تدخل من الخارج وعلى العكس من المالكي وحزبه الذي يتقلب تارة في أحضان امريكا وأخرى في احضان ايران. وفي هذا الخضم تبدو الكتل التي تنظر الى الحكومة المقبلة كمغنم تسعى لأخذ حصتها منه، تميل الى التحالف مع المالكي لأنه مستعد لتقديم كافة التنازلات إرضاءا لطموحاته المريضه ولولعه بالكرسي. لكن هذه القوى عليها ان تعرف بانها سيخيب ظنها إذ سيستخدمها المالكي جسرا للوصول الى الحكم وحال استحواذه على السلطه، فسيتنكر لها وكما فعل باتفاقية اربيل وبالوعود التي أعطاها لحلفائه الشيعة إذ ظل محتفظا بوزارة الداخلية طوال دورته الثانية ورفض أن يسلمها لأي شخصية في التحالف الوطني.

وهكذا فقد أصبح تشكيل هذه الحكومة كاشفا عن الكتل الفاسدة التي تسعى للإستحواذ على موارد الدولة ونهبها وهي القوى التي ستتحالف مع المالكي وبين القوى الأخرى التي تعتبر الحكومة مسؤولية ثقيلة في بلد مثل العراق مثقلا بالأزمات والمشاكل المتنوعه وتجد في التحالف مع سائرون فرصة لإصلاح الأوضاع. إنها أسابيع معدودة وحينها يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر الحكومة الجديدة، التي إن خيم عليها ظلام المفسدين بقيادة المالكي فلاسبيل امام الشعب حينها الا تطوير أدواته الإحتجاجية وكما حذّرت المرجعية وحينها فسيقفز الجميع من سفينة المالكي المتهالكة لكنهم لن يجدوا لهم حينها موضعا في سفية سائرون المتجهة نحو الإصلاح بثقة وثبات، إذ أن الزبد يذهب جفاءا وما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

 

ساهر عريبي

 

 

في المثقف اليوم