أقلام حرة

السندباد الامريكي ودلة الصحراء العربية.. الانحطاط في قرن الماورائيات

لقد تم عزلنا عن الواقع فلم نعد نشعر باننا نحيا في حضارة القرن الواحد والعشرين. ولذلك نجد المناخ النفسي لمجتمعاتنا مناخا متصلب يسوده الشعور بعدم الرضا. فنحن في ابسط حقوقنا مسيرون تربينا على النظرية الجاهزة ولم نعد نمتلك اي حس نقدي .. انسانيتنا مهدورة من قبل الطاغية المتسلط او الدولة المستبدة. وهذا كله تحركه الخلفية المعرفية للغرب بكافة ابعادها السلطوية وتغذيها النزعة الامريكية العابرة للقارات .. العابرة للنجوم والافلاك.. تم عزلنا عن كافة ابعادنا الوجودية.. وهكذا نتيجة الشعور بالياس خضعت حياتنا للمصادفة وانتفا لدينا الشعور بالمسوؤلية وضمان المستقبل. وانهار الشعور بالامن في زمن سطوة مجلس الامن. كل هذا ادى الى انهيار المستقبل ذلك البعد الانساني المهم على الصعيدين الحضاري والعقائدي . انهار البعد الانساني لحظة استشراف المستقبل واصبحنا نحكم الاحتمال والظن... وهذا المستقبل قد ياتي وقد لا ياتي ولذلك لا يبقى لترقبه اي قيمة او دافع فنبدا بالغوص في الحاضر وبذلك يتحجر عندنا الماضي ويتضخم وينغلق على ذاته ويصبح حاضرا دائما .. ومن ثم يتحجر الانسان ذاته مع لحضة الحاضر المتحجر، ويصبح الانسان ذلك الماضي الى ان تقوم الساعة. وهو بهذا يشبه الميت الذي تصير ماهيته عين ماضيه. لهذا السبب نذكر ماضينا وابائنا اكثر من لحظة الحاضر.. فنعيش دائما في لحضة الماضي بكل ابعاده من فكر وقيمة وعقيدة وسياق وحدث. وهذا ما يفسر عداواتنا وحروبنا الطائفية والقبلية والقومية. هذا بالاضافة الى ان الانهماك في الحاضر واللحظة الحاضرة يؤدي كذلك الى طلب اللذة والمنفعة الانيتين، فنبقى نعيش ببعد واحد.. وما يهلكنا الا الدهر. بسبب ذلك انقطع التواصل الحقيقي والحوار الاجتماعي والسياسي والديني، وتم عزل الفرد في ظلمات الحذر وبحار الظنون والخوف من المستقبل السياسي المجهول. فانحدرت علاقة الانسان باخيه الانسان الى مستوى الشيئية فحل الظلم بدل العدل والكره بدل الحب والكذب بدل الصدق ، وبذلك تتهاوى الانسانية الى احط المستويات وادناها.. بركماتية نفعية، تحقق ذاتها بوسائل الغاية والتبرير.

في عصر الامركة زيف الانسان بابشع الوسائل والحيل الناعمة تماما كالتي نجدها في سينما هوليوود.. فيخيل اليك انك امام انسان وانت في الواقع امام جدار اظلم واصم. اننا لم نحيا عصر النهضة او التنوير او الحداثة او التكنولوجيا المعاصرة او الذرة او النانو او الكوارك.. في حقيقة الامر نحن لم نتجاوز العصر الوسيط.. بهذا العمل نحن نزيف الواقع في سبيل عدم مواجهة الحقيقة المتمثلة في اننا لا نعيش لحظة العصر الواحد والعشرين، وبذلك نرتمي في ما يسمى بالجهل السعيد.. هكذا تنتصر اللحظة الامريكية وايديولوجياتها الضالة... فنحن لم نتجاوز زمن العصور الوسطى الا في المظهر، في سياق الزمن الحضاري.. في استخدامنا لمنتجات الغير بما في ذلك اقلام الرصاص. ولو تم رفع هذه الوسائل والمعدات والتقنيات المعاصرة لانكرنا الزمن ذاته ولثبت عقائديا اننا لا نستحق العيش فيه.

اما منظومة قيمنا فمعطاة على غرار دون كيشوت.. محمولة على ظهر جواد هزيل لكنه مهجن عربيا كما هجن سندبادنا، فهو منذ ان اكتشف ذاته يسير في تلك الصحراء الميتة الجافة التي لا تحيا فيها الا العصبية القبلية والتقاليد البالية وقساوة القلب. فمنذ عصر صحرائنا الاول تم وئد قيم المروئة والايثار وبقيت موؤدة الى يومنا هذا.. بهذا المعنى كان تاريخنا اشبه بمسيرة جنائزية تحجب عن عيوننا رؤية المستقبل والمصير المشترك.. ورغم ضجيج الحضارة لا نصحو ولا نفيق، والحضارة تمن علينا وتظن.. فلم نعد تلك الامة الحية القوية، وهناك جدران شديدة تحول بيننا وبين النهضة، وعملاق سندبادنا قابع في دلة الصحراء....

 

أ.م. د. سامي محمود ابراهيم

كلية الآداب جامعة الموصل العراق

 

 

في المثقف اليوم