أقلام حرة

جوانب القناعة السياسية

ضياء الحكيمفي المنظور التاريخي نرى أن أقسى معارك القناعة والإقناع دارت بين الأحزاب السياسية والدينية بغرض وصول أشخاص الى السلطة أو تغيير الحاليين منهم. هذه المعارك وقساوتها على المجتمعات لاتزال تدور وتدور حتى هذه الساعة . من يكون معك قنوعاً الى النهاية يحتاج الى تحريك جوانب التمّيز بين القناعات.

يتشبثُ معظمنا بمبادئ أساسية دنيوية وإلهية تتعاظم أو تتلاشى كل يوم لصعوبات وعُقد جمة أحاطتها بنا وسائل الإعلام المقنعة المحيطة بحياتنا كأفراد وشعوب . مايحيرني في العمل السياسي هو روتينية السير وفق القناعة الثابتة التي لاتتزحزح بالزمن او المعرفة . سياسة السياسيين المتبعة في معظم الدول تدعو الى شد ألانتباه الى معتقد وإقناع الشعب بالقبول والتمسك به وبما يريده الحاكم، وما على الشعب إلا ختم معتقده ببصاماتهم بلا نقاش أو إضافة أو تعديل .

المشاركة في حرية الفكر هي الولادة الطبيعة للأنسانية، والتوسع في تحريك جوانب القناعات للمعتقدات توفر صيغ النجاح بنسب أكبر من الطعن بها . والأشارة النزيهة الى مساوئ معتقد غير مناسب ليس فيه إهانة.

ويحضرني هنا فشلي في فهم مايدور بين أعضاء مجلي النواب العراقي وهم يشيدون بفكرة وينقّضون كالصقورعلى أخرى، و منها فصل السلطات ومناقشة الضرورات. وحالما يقدمون مشروع تشتعل النار بينهم وتعم الأخفاقات بعنصرية القناعة الشخصية وإقناع النفس بسطوة المذهب، وهو أقل ماأستطيع قوله أدباً ولياقةً.

مثلاً . قد تحصل على عشرة أجوبة متناقضة مختلفة عن إقرار ميزانية الدولة لعام 2019 وغموض أرقام بياناتها ومحل تخصيصها. المثل الأخر، مسألة منح الكويت للعراق 85 مليون دولار وتعهدات دولية لقروض مماثلة وقعتها دول في بداية عام 2018 لإعمار مؤسسات العراق الصحية والخدمية في المدن المتضررة . ويبدو أن المراد منا القناعة والقبول دون تحريك جانب "التأكد".

كذلك وجود قناعة من نفس الطراز، يلفها الغموض عن قيام مجلس النواب العراقي بتوجيه تخصيصات مالية لإدامة مشاريع كهربائية ومائية وصحية، ولاتُعرف الجهة المومولة ومن يمولها، الأمر الذي يجعلك تدور معهم في دورة فلكية حول الأجابة لحد تصدع الرأس. فمعظم الأنجازات تنجز بكلمات وبيانات وصور دون إنجاز ملموس على الأرض . ويعزى السبب لحين " الموافقة النهائية " . وهذه الموافقة لا تنتهي بإستقدام الخبير والشركة المنجزة. وبين الحين والأخر، يتبرع نائب ليبين أن السبب الآخر للتأخير هو خطأ في عرض الحكومة للمشروع دون إدخال نقاط تنص حيثياتها في العقل التشريعي البرلماني . نحن القانعون علينا السكوت بما لا نفهم من هذه العبارات التي تتدارسها اللجان التشريعية لفترات طويلة، ويعاد فشلها وفشلي مرة بعد أخرى بنهاية الحديث مع برلماني دون فهمي له ودون دقة جوابه لي.

نحن القانعون عن شكل هذه اللجان الفنية التشريعية تتبخر قناعتنا بعد إكتشاف التحايل مرة والتأخير مرة والمناقصة الزائفة مرة .

ذاتية القناعة وجهود الإقناع الغير مقنعة وكشف معانيهما صعبة التفسير وتضعك في حيرة نفسية وأخلاقية لا قدرة لنا لفهم منهجيتهما إلا بالتحليل والتطفل. كما ذكرتُ أعلاه عن "المنح المالية الكويتية للعراق" وهي غير مثبته. ولا تتصور أن بإمكان التحليل والتطفل والفضول ايصالك الى نتائج ناجحة مئة في المئة. إنها (كتحليل القدرة على القتل والذبح وتحليل قناعة مرتكبها) .

التمسك بمفهومين مترابطين ومتعارضين (القناعة الشخصية وإقناع الأخرين بها) هي قناعة المتزمت المتمسك بالأعتقادات المقبولة له وهو يتبع لحنها وموسيقاها. 

في الحياة السياسية يقف السياسيون في وسط الصورة وتتركز عدسات تلفزيونية لتصويرهم وتحاول أن ترى الأشكالية الأيجابية والسلبية بين قناعاتهم الشخصية وطرقهم في إقناع المجتمع بما هم قادمون على إتخاذه والتي تجعلهم يخوضون معارك إعلامية وإستشارة المحامين والقضاة والخبراء العسكريين .

سرعان ما يترك المحللون والخبراء والمستشارون المرؤسؤن مناصبهم نتيجة عدم تمكنهم من إقناع الرئيس وحاشيته وإيقاف وسلوكيته المخادعة ويأسهم من إقناعه بالتمسك بلحن الحياة والقناعة المجتمعية.

أنظر الى الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب في أقوى دولة في العالم يخوض معركة بقاءه في السلطة بجهود جبارة لإقناع الشعب الأمريكي بأنه "الأعظم والأفضل " من كل الرؤساء الذين سبقوه . علمأ بأن التحقيقات القانونية مازالت جارية لعزله من منصبه،  ومعارضوه يشيرون كل يوم وكل ساعة بتصريحات تبين أن تصرفاته لا ترتقي الى المستوى الأخلاقي وألامانة والصدق ويحاولون عن طريق مجلس النواب والشيوخ إزاحته بالطرق القانونية وإقناع الشعب الأمريكي بذلك . فأي مبدأ سينجح القناعة أم الإقناع؟

الأعتقاد بالعنصرية زاد من تأثيرها مجموعات من رجال الدين بشيطنة تبشيرية ترد الى الأسماع كل يوم وتقول للناس" بأن الدين الآخر ليس فيه خلاص من النار والذنب والخطأ وان شروره لا تتطابق والعقل الأنساني ". فلماذا السماح لهم وهم يعقرون المجتمعات بألفاظ تخدش الحياء؟ أهو المال والحال وراحة البال أم أمور أخرى؟

دول وحكومات منقسمة على نفسها عنصرياً وقومياً ومذهبياً . وهي أيضاً منقسمة على نظمها الداخلية، على أحزابها، وعلى دساتيرها وقناعاتهم بها. فهل في هذا الأنقسام والتشظي فيه مايكفي من مصلحة تعود بالفائدة العامة على الشعب أم أنه بالتأكيد التشضي المسمى "بالإقناع والتشضي المجتمعي -  ”Persuasion of Cultural Fragmentation “

توقف لحظة كي تختبر نفسك وبرأيك الحر وقل بلا تعصب: من هم الفائزون في سياسة القناعة والأعتقاد وتشظي المجتمع ؟

 

ضياء الحكيم - كاتب ومحلل سياسي

 

 

في المثقف اليوم