أقلام حرة

شباب العالم يحتجون والكبار يستصغرونهم

755 (كل الكبار كانوا يوماً ما أطفالاً لكن القليلون يتذكرون ذلك) سانت أكزوبري- الأمير الصغير

ربما هو العجز في الإنتاج الصناعي والفكري الذي يسبب بأننا نتطلع في عالمنا العربي في رؤانا دائماً لماضينا أكثر من أن نوجه رؤيتنا للمستقبل، حتى أن تلك الخصلة الحميدة المتمثلة في إحترام الصغير للكبير قد بالغنا فيها فتحولت إلى أشبه بالتجبيل المرضي للعجزة على حساب تهميش الشباب وإستصغارهم. أفلا نجد اليوم في عالمنا العربي الأمثلة الكثيرة على حكام يثقلون على الشعوب ولا يسمحون للشباب بتولي زمام الأمور؟

حين تولى إيمانويل ماكرون رئاسة فرنسا كان واضحاً في الكثير من ردات الفعل في عالمنا العربي تلك السخرية من صغر سنه، رغم أنه أثبت رجاحة حجته في تلك المناظرة التي جمعته بـ(مارين لو بين) التي حاولت هي كذلك بطريقة غير مباشرة معاملته على إنه أصغر سناً منها، إلا أنه لم يعر لذلك إهتماماً وركز على مناقشة البرنامج الإنتخابي بكل حرفية ونضج، بل حتى أنه ليس من المبالغة لو قلنا أن (لوبين) هي التي ظهرت أقل نضجاً أمام الرجل.

قال ديوجانس الكلبي: (عندما نكون شباب فالأمر ما زال مبكراً، وحينما نصير كهولاً فها هو الوقت قد فات).

يقوم طلاب المدارس في فرنسا منذ فترة بإضراب كل إسبوع متجمعين أما وزارة (الإنتقال الإيكولوجي) مطالبين بتغيير سياسي معتبر. يقول أحد الطلاب مبرراً ما يفعلوه: (نحن نضرب ضد الإحتباس الحراري لأن ما يحصل اليوم من تغيير بيئي يذهب بإتجاه واحد ومن الغير ممكن عكسه في المستقبل، ونحن هو الجيل الذي من الآن الى ٢٠ أو ٣٠ سنة مقبلة سنعاني من تبعات ما يحصل الآن)، وتقول متظاهرة أخرى: (معاً، جيلي وأنا، نحن أكثر وأكثر وأكثر حرارة من الطقس). إن مطالبات الشباب بعمل تغييرات سياسية لإيقاف التغير البيئي تجتاح مدن العالم وهم يخططون لعمل إضراب في كل العالم الجمعة القادمة، أي في الخامس عشر من هذا الشهر، شهر آذار لسنة ٢٠١٨. ولو نرجع قليلاً لأصل هذه الحركة فسنجد طالبة سويدية بعمر السادسة عشر إسمها (غريتا ثونبرج Greta Thunberg) شاركت في قمة بولندا للمناخ الـ(COP24)، وقدمت كلمة قالت فيها: (لم نأتي إلى هنا لنتوسل إلى قادة العالم لكي يعتنوا بالكوكب، بل لكي نعلم الجميع بأن التغيير قد وصل). كانت (غريتا تينبرغ) هذه قد بدأت قبل ذلك بعمل وقفات أمام البرلمان السويدي وحيدة، ولم تكن تتصور أن الإعلام سيهتم بها وسيصل بها الأمر إلى أن تلقي بتلك الكلمة ولأن تصير رمزاً للكثير من الشباب حول العالم.

في ضوء هذه الأحداث (الشبابية) رجعت إحدى قنوات التلفاز الفرنسية لتعمل مقابلة مع أحد عرّابي هذه الحركة، حركة الدفاع عن البيئة، الذي يبلغ الآن من العمر (٦٠ سنة)، وهو (نيكولا هولو)، وزير البيئة الذي استقال من حكومة ماكرون. نعم إستقال، ففي أوربا لا يجري فقط النظر للأمام، والإهتمام بالشباب وبالتجديد، لكن الوزراء يستقيلون حين يجدون أنهم غير مقتنعين بأداء وزاراتهم وغير قادرين على إحداث التغيير. يسأله مقدم البرنامج عن إنسحابه من الوزارة فيقول بأنه وجد أنه كان محاطاً بحكومة لا تشاركه نفس الرؤى ولم تكن مستعدة للعمل معه لإجراء تغييرات إجتماعية وإقتصادية من أجل الحفاظ على البيئة. تكلم عن وفرة وندرة الموارد، وعن مجانية الشمس والرياح وإمكانية إستثمار ذلك في توليد الطاقة، وأكمل قائلاً: (أنا قلق، فأنا الآن أجاهد نفسي لكي لا أفقد إيماني بهذه القضية)، وحين سؤل إن كان قد خاب أمله أجاب: (أرى أننا لسنا متحضرين بالعمق).

وفي نهاية هذه المقالة التي قصدت منها المقارنة مع عالمنا العربي أرجع لمقولة إكزوبري التي بدأت بها المقال والتي يقول بها بأن كل الكبار كانوا يوماً صغاراً وأجد أن أهم ما تعبر عنه هو ذلك الوقار المصطنع الكاذب الذي يحاول الكبار أن يلفوا أنفسهم به، ناكرين جهلهم وترددهم وقلقهم، مدعين المعرفة المطلقة والعصمة، متناسين أن النضج لا يعني الإستبداد بالرأي، بل التمكن من الحوار والمرونة أمام المتغيرات.

 

سامي عادل البدري

 

في المثقف اليوم