أقلام حرة

المرجعية الشيعية العراقية والدولة الحديثة

سالم الشمرياعتادت المرجعية الشيعية العراقية ومنذ قيام الدولة العراقية الحديثة ان تلقي بنفسها في قلب الاحداث والمنعطفات السياسية الخطيرة . لكن لاتعرف كيفية الخروج منها .. فهي لم تدخل معترك الصراع بحسابات السياسة وانما بحسايات الضرر والضرار والمفسدة والبيضة فتسقط بذلك وعي الحاضر عبر الاستعانة بموروث الماضي فتأتي النتائج كارثية بكل معنى الكلمة.

لم تكن الاخطاء الكارثية كافية لعقلنة الفعل السياسي المرجعي واعادة النظر بأخطاء الماضي وتدارك العلل التي قادت الى التدهور الدائم ومن ثم تسلم بأن الديني غير السياسي وان الحاضر غير الماضي وان السياسة تحتاج الى عقل ثعلبي وليس الى عقل اصولي . ﻭﻇﻠﺖ تنتقل من مرحلة الى اخرى بذات الايقاع والفعل والعقلية متجاهلة بذلك الزمن والتغيرات ومصرة على ممارسة السياسة بالعامل الغيبي ، حتى اذا اكتملت دورة قرن كامل من التخبط الكارثي واذا بهذا الزمن الصعب المثقل بالالام والمحن وهذه الحقبة الطويلة الكالحة تتحول الى انتصارات وحنكة ولربما استراتيجيات اثناء تأرخة التشيع الحركي السياسي في العراق ضمن خطاب تعسفي مارق لاﻳﻌﻄﻲ اي اهتمام لالم الانسان ومعاناته ولا لضياع وطن بقدر مايعطي اهتماما زائدا لحيزه الضيق.

لا اعرف بالضبط سبب تماهي المرجعية ودفاعها المستميت عن الدولة العثمانية الوحشية الفآشية البربرية في خضم التحول التاريخي في العراق وبداية تشكل الدولة العراقية الحديثة .. ولسبب لانعرفه ونجهل تفسيره ايضا اعتبرت المرجعية ان الدولة التي تنتهك حقوق الانسان والوطن هي {بيضة الاسلام} يستوجب الدفاع عنها والتضحية من اجلها ، وتبدو هذه المفارقة الغرائبية ومن شدة مافيها من هدر لقيم الانسان والمكان كافية لتوضيح مدى تعثر الانتماء في الفقه وصعوبة استنتاج الوطن من نصوص التراث.

منذ اكثر من سبعة قرون خلت سار الفقه والفقهاء على خطى العبادة وترك السياسة وكان الزعماء الدينيون هم في طليعة من يحذرون من التقرب ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ واخذ الراتب منها وجرت العادة عند رجال الدين في النجف ان يرفعوا شعار الابتعاد عن السياسة وقد يكون ذلك من ايام الشيخ احمد المقدس الاردبيلي ، ويذهب البعض ابعد من ذلك الى ايام العلامة الحلي{عبد الجبار الرفاعي/ حول التراث والمعاصرة ص48}.

ان ابتعاد الفقيه الشيعي عن السياسة قد عزز مكانته لدى اتباعه وكانت سلطته الروحية اقوى من سلطة الدولة المادية، وفي التاريخ مايؤكد ان الدولة تحاشت الفقيه وخشيت منه ولم يطرأ تغيير الا بعد انهيار الصيغ القديمة للدولة وقيام الدولة الحديثة ، فقد حصل تغيير في علاقة الاتباع بالفقيه نتيجة تطور الحياة وارتباط مصالحهم بالدولة الحديثة التي وفرت لهم التعليم والصحة والعمل والنقل والرفاهية ، وبدا المشهد كما لو ان الدوﻟﺔقد بدأت تجرد الفقيه من سلطانه ، فكلما توسعت سلطة الدولة تقلصت سلطة الفقيه مما انعكس سلبا على علاقة الاثنين واخذت تتوتر باستمرار. فلا الدولة ﻗﺎﺩﺭﺓعلى احتواء الفقيه ولا الفقية .قادر على كسر شوكة الدولة ،

ترتب على مفهوم الدولة  الحديثة ان يكون الفقيه اما مواطنا او مقيما  ولكن ليس قائدا . لكن الدولة بنظر الفقيه صيغة غربية كافرة لاتجب طاعتها فتزاحمت مرجعية الدولة مع مرجعية الفقيه ونحت هذا التزاحم شرخ بين دولة تقوم على عقد اجتماعي  وبين مرجعية تقوم على تقليد العوام .

وبسبب هذا التزاحم سعى كل منهما لفرض رؤيته على الاخر في صراع يحمل الكثير من التلميح والايحاء وقليل من الوضوح والفهم ، فكانت الدولة حذرة من الدين وكان الفقيه يخاف من الدولة ، على ان كلا الطرفين يدركان ان خارطة الولاء في الشارع الشيعي العراقي مشوشه ، فاتجه كل من الدولة والفقيه الى مبدأ انتزاع الاوراق من الاخر حيث تظاهرت الدولة بالتدين واستخدم الفقيه السياسة من طرف خفي ليكون الدين سياسة الدولة وتكون السياسة دين الفقيه في صراع بسط النفوذ .

ضمن هذا الحذر المتبادل حاولت الدولة تقليم اﻇﺎﻓﺮالفقيه كي لايكون سياسيا وسعى المرجع كي تكون الدولة دولة فقيه، لكن الفرق ان الدولة تعرف كيف تمالئ الشعور الديني لدى الشارع الشيعي بينما الفقيه لايتقن السياسة.

مع نشوء الاحزاب الشيعية العراقية استطاع الفقيه ان يكون مرجعا في العلن وحركيا في الخفاء وﺑﻘﻠﻴﻞمن الجهد استفادت الدولة من اخطاء الفقيه كي تبطش بالفقيه والاحزاب والعوام معا وتتهم الشيعة بالخندق الخامس.

ولأن الدولة في عهد صدام ليست دولة وطن بكل مكوناته ، بل دولة الفئة والحزب والعشيرة والقرية والعائلة ، فقد مارست قمعا غير مألوف ضد اغلبية لاتعوزها الوطنية وحب بلدها . لكن اربكها الفقيه بفتاوى الجهاد ودولة الموطئين .

 

سالم الشمري / الولايات ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ

 

 

 

في المثقف اليوم