أقلام حرة

نقاش حول مقال د. علي الربيعي: هل يمكن أن يتسامح الفلاسفة؟

تماضر مرشد آل جعفربدءًا مما بدأت: افتقار العالم إلى بوصلة أخلاقية، جعل الساسة يدعون إلى (وحدة الأديان) بكل مفاهيمها المغلوطة التي شابها الاحتراب الديني بالفساد، وبعد أن فشلت تلك الحلول الضيقة بمفاهيمها عالميا بدأ المفكرون بطرق أبواب الفلسفة علها تكون المنقذ أو يمكن الاعتماد عليها كحل لذلك التباعد والاحتراب، يأتينا مقال دكتور علي الربيعي* ليُظهر نقاط الضعف في الفلسفة لاختلاف الفلاسفة (ذوو الشأن في الإصلاح).

لم تضع الفلسفة قانونا للتسامح وفق ماذكره الشارع: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) قرآن كريم، سورة البقرة 109. فجعل العفو بعد أمر شابَ النفس الإنسانية من الحسد الذي دفع الآخرين لنصب العداء، عند تتبعنا لأسباب الخلاف سواء أكانت بين الفلاسفة أو عامة الناس سنجد اختلاف أفهام الناس حول قضية معينة مع اختلاف إدراكهم العقلي كان سببا للتمايز بين الناس أدى إلى تحاسدهم فيما بينهم  لبروز رأي أحدهم أو شخصه.

هنا تأتي أهمية الالتزام الإيتيقي أو الأخلاقي بمفهومه النظري والعملي ليوجد سببا للتسامح يدفع أسباب العنف، فهل استطاع الفلاسفة الالتزام بتلك النظم الأخلاقية فيما بينهم؟ بعد فشل (رجال الأديان) لإيجاد مبررات توقف القتل وتصفح وتعفو؟

في قراءة دكتور علي لتاريخ الفلسفة أثار الغبار عن تلك المثالية التي ذكرتنا بتهافت الفلاسفة أمام أنظار الغزالي، ثم حرق كتب ابن رشد، ولا زال السُهروردي المقتول ضحية الخلاف بين الفلاسفة وتحاسدهم في علو نجم أحدهم.

ولا نستطيع أن ننسى خلافات الاشتراكيين والرأسماليين في فلسفاتهم الاقتصادية التي أدت أيضا إلى الاحتراب على أن الاقتصاد كان يجب أن يكون سببا للتوافق(لإطعام جياع الإنسانية) من باب الأخلاق.

في الخلاف بين الفلسفة والدين، لازالت الفلسفة تحاكي العقول بينما يرى فلاسفة مثل الغزالي بأن العقل عاجز عن إدراك كنه الإلوهية، وقد رأى آخرون ذلك عجزا من بعض العقول وليس جميعها لا تدرك أمور الإلوهية، فدخلت من هاهنا مسألة وحدة الوجود مع رفضها من قبل فلاسفة مخالفين للفلسفة الصوفية، أو رفض التصوف في الفلسفة والخلاف حولها أيضا بدعوى (الإساءة إلى الأخلاق) فوصل عدم التسامح إلى التحريض على القتل،

وفي رأي دكتور علي ما نصه: (أن نظرة عامة على الفلسفة تشير إلى أن الفلاسفة أقل تسامحًا مما قد يتصور المرء. يعود ذلك الى بعض أسباب: فمن ناحية، التزامهم بقضايا الحقيقة والمنطق والحجج  ما يجعلهم ربما غير متسامحين لما يرون أنه وجهات نظر سخيفة أو معيبة؛ ومن ناحية أخرى، فإن الطبيعة الأيديولوجية  للفلسفة في الغالب تؤدي في حد ذاتها دورا في جعل الفلاسفة أقل انفتاحًا على وجهات النظر المختلفة أو المعارضة)...هنا يمكن أن نقول أنه يمكن للفلاسفة أن يغضوا النظر عن آراء مخالفيهم إذا ما التزموا أخلاقيا برأي سبينوزا القائل : ( لا يتمثل التسامح باعتبار أن أي رأي يكون صحيح، ولكن الاعتراف بالحرية الكاملة للغير في التفكير بذاته، والتعبير عن آرائه)،

التسامح في هذا العصر لماذا؟ تساؤل أجاب عنه دكتور علي بكثرة الحروب وتبعاتها، لكن إن جعلنا الأمر أكثر نظاما لقلنا أن الفلسفة والدين ستكون أكثر التزاما إذا ما طُبقت قوانين الأمم المتحدة والمنظمات العاملة على معالجة آثار الحروب، فميثاق الأمم المتحدة تنص على اعتبار التسامح قيمة أساسية في العلاقات بين الدول والأفراد: (نحن شعوب الأمم المتحدة آلينا على أنفسنا أن نعيش وأن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاني السلام وحسن جوار. كما تنص مواد هذا الميثاق على ضرورة تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك بدون تمييز حسب العنصر أو الجنس أو الدين)

ونظرا لأن ميثاق الأمم المتحدة وثيقة توجيهية ذات طابع معنوي وأخلاقي، وبالتالي غير ملزم، لذلك ستبقى نقطة ضعف الفلسفة قائمة مالم ينظروا لأنفسهم كقادة باحثين عن إيجاد نظرية للتسامح تكون ملزمة للجميع بتوصيف أخلاقيات تقبل الرأي الآخر ورسم حدود الآداب التي يمكن التعامل معها دفعا للعنف كون الفلسفة أعم من الدين إذ لا قداسة تُفرض عليها.

وأخيرا لا يمكن أن ننظر إلى التسامح على أنه محبة، فإن الحب لا يمكن أن يكون مع وجود القسوة في القول والفعل، واستشعار الإهانة أو الضعف من التنازلات المطلوبة من أحد الأطراف المتسامحة لذلك كانت الحكمة الأولى: العفو عند المقدرة فضيلة.

اعتذاري لدكتور علي المحترم إن أغفلت مابين السطور وشكرا له لإثارته ذلك الموضوع الهام.

 

د. تماضر آل جعفر

................

للاطلاع

إلى أي مدى الفلاسفة متسامحون؟ / د. علي رسول الربيعي

 

 

في المثقف اليوم