أقلام حرة
دروس من ثورة الإمام الحسين .. مقارنة بين موقفين
رغم انحرافه دينيا واخلاقيا واجتماعيا. تسلط يزيد على رقاب الناس وقام بأخذ البيعة لحكمه من عامة الناس ومن الوجهاء وأصحاب الشأن بمختلف الطرق ومنها التهديد بالقتل والسجن وتهديم الدور وسبي النساء. ولعل الحادثة الأبرز بعد قتل سبط الرسول وسيد شباب أهل الجنة هي ضرب الكعبة (بيت الله) بالمنجنيق . وهذه الحادثة تذكرنا بحادثة عام الفيل عندما هجم ابرهة الحبشي مع جيشه المدجج بالفيلة ليهدم الكعبة ولكنه لم يستطع في حادثة معروفة تاريخيا.
في بداية التحضيرات لمعركة الطف عين ابن زياد (الحر بن يزيد الرياحي) ليحاصر الحسين ومن معه ويمنعه من دخول الكوفة . وعندما جاء الحر وكتيبته لمحاصرة الحسين عليه السلام كانوا متعبين ووجوههم شاحبة من شدة العطش فأمر الامام اصحابه بأن يسقوهم وخيولهم رغم انهم (الامام وصحبه) كانوا في الصحراء. وقد كان مع الحر اكثر من الف من الخيالة . وحسب ماوصلنا من الروايات فان احد المقاتلين في جيش ابن زياد وهو (المهاجر بن أوس) رأى الحر الرياحي على غير عادته من رباطة الجأش والشجاعة والاستقرار والثقة بالنفس وهو يرتجف فاستفسر عن هذه الحال قائلا مامضمونه (لو سألت من هو اشجع اهل الكوفة لما عدوتك .. فمالي اراك على هذه الحال .. هل انت خائف الى هذه الدرجة بحيث يرتجف بدنك ؟ ورد عليه الحر قائلا (لاوالله ماانا بخائف ولكني اخير نفسي بين الجنة والنار .. فوالله لااختار على الجنة شيئا ولو قطعت واحرقت) فالجنة في ترك الجاه والمنصب والأموال والالتحاق بمعسكر الحسين عليه السلام وملاقاة القتل والسلب وتقطيع الأوصال . . والنار في البقاء في معسكر ابن زياد ومحاربة الحسين وفيها السلطان والجاه والأموال . الحر هنا اختار الجنة وماقبلها من ابتلاء ومشاكل وقلة عدة وعدد وقتل وغيرها . وقد التحق بمعسكر الحسين عليه السلام مع اليقين باستحالة الانتصار على الجيش المقابل الذي يفوقهم عدة وعددا بأضعاف كثيرة وجاء الى الامام الحسين طالبا منه التوبة والصفح .. مع ملاحظة ان الحر لايمت بأية صلة نسب او قرابة للإمام الحسين عليه السلام .
أما الموقف المعاكس لموقف الحر الرياحي فهو ماقام به (عمر بن سعد بن ابي وقاص) وهو يمت للإمام الحسين بصلة قرابة من ناحية النساء . فقد طلب ابن زياد من قادة جيشه ان يتولى احدهم قتل الحسين ويعطيه ولاية أي بلد يشاء فلم يرغب احد بذلك ثم استدعى (عمر بن سعد) وطلب منه ذلك فرفض في البداية ثم هدده ابن زياد بتنحيته من ملك الري فطلب منه عمر ان يمهله الليلة ليفكر وذهب الى بيته وهو في حيرة من أمره وكان عنده رجل من أهل المشورة والحكمة والعقل اسمه (كامل) وهو صديق لسعد ابن ابي وقاص والد عمر فقال له: مابالك ياعمر؟ فقال له ابن سعد: إني قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسين وإنما قتله عندي وأهل بيته كأكلة آكل أو كشربة ماء ، وإذا قتلته خرجت إلى ملك الري فقال له كامل : اف لك يا عمر بن سعد تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول الله؟ اف لك ولدينك يا عمر أسفهت الحق وضللت الهدى ، أما تعلم إلى حرب من تخرج؟ ولمن تقاتل؟ إنا لله وإنا إليه راجعون .والله لو أعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من امة محمد لما فعلت فكيف تريد تقتل الحسين ابن بنت رسول الله عليه السلام؟ وما الذي تقول غدا لرسول الله إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه وثمرة فؤاده وابن سيدة نساء العالمين وابن سيد الوصيين وهو سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين وإنه في زماننا هذا بمنزلة جده في زمانه ، وطاعته فرض علينا كطاعته ، وإنه باب الجنة والنار فاختر لنفسك ما أنت مختار وإني اشهد بالله إن حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلا قليلا .فقال له عمر بن سعد : فبالموت تخوفني وإني إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس ، وأتولى ملك الري .
وكان يردد هذه الأبيات:
دعاني عبيدالله من دون قومه الى خطة فيها خرجت لحيني فوالله ما ادري واني لحائر افكر في امري على خطرين أأترك ملك الري والري منيتي أم أرجع مأثوما بقتل حسين
الى أي شخص عاقل ان يدرس هاذين الموقفين ويضع نفسه حيث هو .. وهذا يشمل جميع اصحاب المراكز والنفوذ والوظائف ابتداءا من الرئيس ورئيس الوزراء الى آخر موظف في الدولة سواء أكان مدنيا ام عسكريا ان يرى مايفعل الآن وان يضع نفسه في احد المعسكرين .. اما في جانب عمر بن سعد او في جانب الحر بن يزيد الرياحي . فهل يترك الجاه والمنصب والأموال ويجعلها كما قال الإمام علي عليه السلام (ازهد من عفطة عنز) ويضع رضا الله تعالى وخدمة الشعب وسمعة الوطن في مقدمة اهدافه واهتماماته ام يقدم الجاه والمنصب و(ملك الري) ويجعلها همه الأول دون الاكتراث لرضا الله تعالى وخدمة الشعب والبلد مع علمه بهذا الأمر وهذا هو موقف عمر بن سعد .
عبدالكريم خليفة جابر
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1283 الاحد 10/01/2010)