كتابات

ماجد الغرباوي: المرأة في الكتابات الايروسية بين (الانسنة) و(التشيئ)

ثمة اكثر من سبب وراء كثافة الكتابة الايروسية، في عصر ما بعد الانترنيت. واكثر من وجة نظر لتفسير هذه الظاهرة. فهناك من يرى في النص الايروسي ثورة على الواقع، وتقويضا للتابوهات الظالمة ضد المرأة. 

وآخر يرى فيها نزقا وابتذالا وتمردا على قيم المجتمع والدين. بينما يعتبر ثالث هذا النص الرائد في فضح المستور، والمخفي، عالم ما وراء القيم والاخلاق المفروض بالقوة على المجتمع. واليه يعود الفضل في تسليط الضوء على مساحة واسعة من شرائح اجتماعية يفترض انها تتصف باعلى مقومات الفضيلة والاخلاق. غير ان النصوص كشفت عكس ذلك، بعد ان فضحت فنون الممارسات الجنسية التي ترتكب بالخفاء، وعلى نطاق واسع. ومن ينظر البعد الفني، يتجاهل موضوع النص لينشغل في تقيم الاداء الادبي، وقدرته على الابداع، واستقطاب المتلقي. فيحاكم النص بآليات نقدية بعيدا عن الاخلاق والقيم.

ثم ان الكتابة الايروسية ابتلت بازواجية لا مثيل لها، ففي الوقت الذي يتمادى فيه الرجل في وصف الجسد، يتحول الوصف على لسان المراة عملا مبتذلا وتحديا سافرا للاخلاق والقيم ... للذكر الحق في توظيف الجسد في النص، على لسانه او على لسان المرأة، والكاتبة يجب معاقبتها حينما تفتخر بانوثتها، او تلجأ لثيمة الجسد في نصها. فليس هناك احكام مستقلة حيادية في نفسها، وانما هناك تسلط ذكوري يفرض نفسه من خلال القيم والاخلاق.

هذا التقاطع في تحديد الاسباب جعلها موضوعا شائكا، ملتبسا، مما اضطر بعض الباحثين التفرغ لدراسة الاثار والنتائج والتداعيات المترتبه عليها، في بعدها الاجتماعي، الاقتصادي، والاخلاقي. فكانت النتائج مذهلة حينما نعرف ان هذا النوع من الكتابة سجل اعلى المبيعات في العالم. وان نسبة القارئ الشاب اكثر من غيره، ونسبة الاناث اكبر من الذكور. وتجلياتها الاخر في المرئ والمسموع (الفلم، الفديو كليب، النت) كان الاعلى نسبة من المشاهدين. وسر هذا الاقبال الكبير هو الاثارة العالية، للغرائز الجنسية. وهذا ليس بالضرورة تفسخا وانحطاطا ورذيلة، وانما طبيعة البشر، تنجذب للاثارة، وترغب بها بشكل مذهل، من هنا كانت الاخلاق والدين وازعا لتهذيبها  والتحكم بها. حتى صنفتها التقاليد والاعراف ضمن الافعال الرذيلة والمستقبحه علنا كاجراء لتحجيمها. وحاصرت طقوسها داخل اسيجة غرف النوم والصالات الخاصة. كما ربطت بين تفشي الجنس وانحطاط المجتمع، في اجراءات احترزاية من اجل صيانة الفرد وحمايته.

وفي الوقت الذي تجد الكتابة الايروسية من يؤدها باقصى مدياتها، نجد هناك من يقلق على مستقبل المجتمع ويؤرقه مستقبل المرأة ذاتها. واذا كان الطرف الاول يتشبث بالحرية الفردية، فالثاني يلوذ بها من جانب اخر. جانب التاثر بتداعياتها العنيفة. فالكتابة الايروسية الحديثة جعلت من اللذة مبدأ وقيمة مستقلة، لتقيم كل شيء، واتخذتها ذريعة للتمرد على كل ما يعيق ظهورها. كما وظف النفعيون هذا اللون من الكتابات لجني الارباح الفاحشة، مستغلين نهم الانسان للجنس والجسد. وكلما كان الجنس مبتذلا كلما تفنن هؤلاء باستخدام وسائل اكثر اثارة وشدا.

واذا كانت بعض الكتابات الايروسية تهدف الى انسنة المرأة، وتعزيز مكانتها، راحت كتابات اخرى تختزل المراة وتحط من قيمتها، من اجل لذة الجسد وشهوته. بل هناك من تقايض كرامتها مقابل الاستمتاع بلقطة جنسية ممتعة، متناسية مكانتها الانسانية. والاخطر حينما يتمادى النص في (تشيئة المرأة) حد الاستلاب، والشعور بالدونية، مما يقوض كل الجهود المبذولة من اجل استعادة كرامتها.

ان المسارات الجديدة للكتابة الايروسية هي التي فرضتها بقوة على بساط البحث، فتناولها النقاد والباحثون باسهاب وما زالت بحاجه الى مزيد. ومن نفس هذا المنطلق قررنا في صحيفة المثقف فتح ملف: ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة. من اجل تسليط الاضواء على ما تبقى من نقاط معتمه في البحث. وبلورة اراء جديدة حولها. وبالفعل اتصفت البحوث والدراسات التي شاركت في الملف بالعمق والموضوعية، ووضوح الفكرة، وقوة الرأي.

لا يسعني وانا اطالع منجز السيدات والسادة، ممن بذلوا كثيرا من جهدهم ووقتهم من اجل دراسة هذه الظاهرة، الا ان اقف اجلالا وحتراما لهم، ففي كل مرة تثبت كاتباتنا وكتابنا كفاءة علمية، ورؤية موضوعية. فلهم جزيل اشكر والاحترام والتقدير

ونأمل ان نوفق لطباعة هذه البحوث القيمة في كتاب مستقبل يصدر عن مؤسسة المثقف العربي كي تعم الفائدة. وسيبقى الملف مفتوحا لاستقابل ماتبقى من دراسات.

ومن الله نستمد العون والسداد

 ***

ماجد الغرباوي - رئيس التحرير

16 / 2/ 2010