كتابات

ماجد الغرباوي: الفتاوى الدينية وإضرام النار

لعبت فتاوى الفقهاء دورا كبيرا في تعميق ظاهرة التطرف الديني، سيما الفقهاء ذوي الخلفيات الثقافية المتحجرة، كما ساهمت الحركات المتطرفة بدورها في تثبت وجودهم الاجتماعي والسياسي. اذ الفقيه يشرعن سلوك الحركات المتطرفة ويغذيها بفتاوى تكفيرية، والمتطرفون الدينيون يعمقون شرعية الفقيه ويمنحونه نفوذا كبيرا من خلال الاستجابة لأوامره. ولولا فتاوى الفقهاء لما كان هناك تطرف ديني. وهذه هي احدى اشكاليات الحركات الاسلامية، وهي ثقة بعض الحركات بفقهاء لا يفقهون الواقع ولا يدركون مقاصد النص وشروطه، بل يصدق انهم مقلدون اكثر من كونهم مجتهدين. أدمنوا تقليد من سبقهم من الفقهاء، واسقطوا فتاواهم على حاضر الامة الاسلامية. ثم اخذوا يجتهدون في تحديد موضوعات الجهاد فكانوا في كل يوم يضيفون مفردة جديدة حتى اصبح الجهاد مقدمة لتحقيق اهداف سياسية وليست دينية. وخاضت الحركات الاسلامية معارك مع الانظمة السياسية تحت راية الجهاد في سبيل الله من اجل اسقاط تلك الانظمة، كمقدمة لقيام الدولة الاسلامية التي تتبنى مبدأ الحاكمية الالهية.

وتعتبر فتاوى ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وقود الحركات الاسلامية المتطرفة في جهادها ضد الحكومات والانظمة القائمة، باعتبار وحدة الموضوع. فالراهن الاسلامي ينطبق عليه ما ينطبق على التتار وقائدهم جنكيز خان من فتاوى واحكام. والثابت تاريخيا ان ابن تيمية قد افتى بقتالهم رغم دخولهم الاسلام واقامتهم الشعائر وبناء المساجد، لكنهم كانوا يسجنون المعارضة، ويحكمون بقانون وضعي (الباسق)، وهو خليط من الشرائع اليهودية والمسيحية والاسلامية، ولا يحكمون بما انزل الله. وهذا ما تتصف به الحكومات الاسلامية اليوم، فانها لا تحكم بما انزل الله، وانما بقوانين وضعية، فتنطبق عليهم فتاوى ابن تيمية ويجب قتالهم قتال اهل الكفار. (ولم يؤثر فقيه حتى الان في تاريخ الامة كما اثر الامام احمد بن تيمية ومجموعة فتاويه، فهو المرجع الاول والاخير لهم. يذكر اسمه باستمرار، وهو ما يزال يفعل في روح الامة، يعبر عن واقعها منذ محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الاصلاحية الحديثة حتى محمد عبد السلام فرج صاحب الفريضة الغائبة)1.

لقد اتخذت الحركات الاسلامية من فتاوى ابن تيمية مرجعا نهائيا، فاسقطت الماضي على الحاضر، وفرضت عليه احكامه، دون الاخذ بنظر الاعتبار طبيعة المتغيرات الزمانية، وضرورات الاحكام. فدخلت على اساس تلك الفتاوى معارك مع الانظمة الحاكمة وبررت قتال الحكومات القائمة. لانها ترى فيها نسخة مكررة للتتار، فتقتضي وحدة الموضوع تطابق الحكم. ويمكن الرجوع الى كتاب الفريضة الغائبة لحركة الاجهاد الاسلامي كنموذج للحركات الاسلامية التي مارست الجهاد في ظل مرجعية آراء ابن تيمية وفتاواه ضد التتار. يقول صاحب كتاب الفريضة الغائبة.

1 - لا فرق بين كل من يخرج عن حكم الله وبين التتار، ولا فرق بين الحكم بالباسق ايام التتار والحكم بشرائع اليوم المستقاة من القوانين الغربية. فكلاهما واحد، حكم بغير الله.

2 - لا فرق بين تمتمة التتار بالشهادتين وكفرهم بالشريعة وكره المسلمين للخروج معهم الى القتال في صفهم، وكره العلماء على الفتيا  لهم سواء كانوا فقهاء او صوفية وبين حكام اليوم الذين يقيمون الشعائر ولا يحكمون بما انزل الله، ويجبرون الشباب المسلم على القتال في صفهم بناء على قانون التجنيد الاجباري، ويوظفون العلماء والمشايخ للفتيا لهم تبريرا لاحكامهم.

3 - لا فرق بين مواليهم وهم شرار الخلق سواء كانوا زنادقة او منافقين لا يؤمنون بالاسلام الا ظاهرا مثل اهل البدع كالرافضة والجهمية والاتحادية ونحوهم او من اهل الفسق والفجور، لا يحجون البيت وان كان فيهم من يصلي ويصوم، لا فرق بين رعية الامس ورعية اليوم من اهل الزندقة والنفاق الذين يؤمنون بعقائد ومذهب ونظريات ما انزل الله بهما من سلطان او الذي يحجون الى البيت تجارة وشهرة وعمالة ونفاقا، ولا يصلون ويصومون رياء للناس.

4 - ولا فرق بين ان يقاتل مسلمو الامس تحت قيادة ملكهم جنكيز خان، فمن دخل في طاعتهم جعلوه وليا ولهم حتى ولو كان كافرا ومن خرج عن طاعتهم جعلوه عدوا حتى ولو كان مسلما، لا يطلبون الكفار تحت امرتهم بالجزية ويطالبون المسلمين بتعظيمهم وتكبيرهم. لا فرق بين هؤلاء ومسلمي اليوم الذين لا يحاربون تحت لواء الاسلام يدخلون في طاعتهم الكفار ولا ياخذون منهم الجزية، ويطالبون المسلمين بتعظيمهم اكثر من تعظيمهم لخالقهم فنشأت بطانات النفاق الموالية للحكام في كل العصور.

5 - ولا فرق بين ان يعظم مسلمو الامس محمدا وجنكيز خان ويجعلون للثاني الانقياد في الانفس والاموال، ويقربون له بالنيابة، ويدينون له بالسمع والطاعة، ويحاربون المسلمين ويعادوهم اذا ما خرجوا عليه وكأنه فرعون او غرور، وهو اعظم فسادا، يعتبر من اطاعه معه ومن عصاه كان ضده حتى ولو يعظمون محمدا وملوكهم، ثم يدينون لملوك بالانقياد، يحابون معهم، ويعادون من يخرجهم عليهم.

6 - لا فرق بين من يصادق تتار الامس ويدخل في طاعتهم الجاهلية وبين مسلمي اليوم الذي يقبلون حكم الكفر، ولا فرق بين من عادى حكم تتار الامس ورفض شريعتهم وخرجوا على طاعتهم وبين من عادى حكام اليوم وخرج على طاعتهم.

7 - ولا فرق بين قضاة وعلماء وفقهاء الامس ايام التتار وبينهم اليوم، فقد قدم حكام الامس الاشرار وابعدوا الاخيار كما يفعل حكام اليوم، وعلى رأس هؤلاء قاضي القضاة الذي يفتى لهم بما يريدون، فيقضون على قوة الاسلام ومناعته بمحو التعارض بين الاسلام من ناحية واليهودية والنصرانية من ناحية اخرى. وهو مثل ما يفعله حكام المسلمين اليوم من حديث عن الاخاء الديني وبناء مجمع الاديان، وبأن المسلم هو الذي يؤمن بابراهيم واسحاق ويعقوب وبكل ما انزل الله حتى يضيع التعارض بين المسلمين واعدائهم. وبان العرب اقرباء اليهود من جد واحد، العرب من اسماعيل واليهود من اسحاق، وانهم والنصارى اهل كتاب.

ثم يستنتج عدة احكام فيما يتعلق بقتال المرتدين سواء كانوا تتار الامس او مسلمي اليوم، فيفتي بـتحريم اعانتهم، واعتبار اموالهم غنائم حرب، ووجوب قتالهم، ولا ينضم اليهم الا منافق. ثم يستشهد بفتاوى ابن تيمية في كل واحدة من هذه المفردات وغيرها.

***

ماجد الغرباوي

باحث بالفكر الديني

2018-06-28

..............

* بحث مستل من كتاب: تحديات العنف، ماجد الغرباوي، العارف للمطبوعات، بيروت لبنان والحضارة للأبحاث، بغداد – العراق، ط 2008، ص321 وما بعد.

هوامش

1- حنفي، د. حسن، الحركات الدينية، مكتبة مدبولي، القاهرة ، ص114.

2 - المصدر نفسه، ص 163- 168.