أقلام حرة

سمهم وارمهم!!

صادق السامرائيالتفاعلات البشرية خالية من الرحمة والعدل والإنصاف، فلا حق ولا باطل، والفائز مَن يأتي بحجة ودليل وبرهان لتسويغ ما يكون!!

قد يسغرب القارئ من هذا الكلام، لكن الواقع الذي قد نغفله، أن الحجة القوية هي البرهان، كما يحصل في المحاكم التي نتوهم بأنها تقيم العدل، بينما الذي يحصل أن المحامي لا يعنيه الحق والباطل وإنما الذي يهمه ان يكسب القضية وفقا لما يوفره من حجج وبراهين، المهم أنه كسبها، ولا تسأله هل أنه على حق أو باطل، فهذا موضوع لا يعنيه.

وهذا ينطبق على الواقع التفاعلي ما بين الدول والمجتمعات، فالذين تمكنوا من تبرير كل ما يقومون به يمتلكون القدرات اللازمة لذلك، والذين يعجزون عن إثبات حقهم وإسترداد ما سُلب منهم إنما هم من الذين لا يجيدون مهارات الحجة والبرهان.

والعرب من أكثر المجتمعات عجزا في هذا المضمار ولهذا أضاعوا حقوقهم، بل وتحوّلوا إلى أعداء لذاتهم وموضوعهم، ومضت عليهم آليات الإفتراس الحضاري الفظيع.

والدليل على ذلك أن العرب قد خسروا حتى أوطانهم ومجتمعاتهم وثرواتهم ومعظم ما يملكونه، وصاروا مع ذلك مدانين ومطلوبين من قبل المفترسين لوجودهم والمقررين لمصيرهم.

العرب فشلوا بإقناع الدنيا بأبسط حقوقهم، فتسببوا بضياعها أجمعين، وصاروا في ديارهم يرتعشون خوفا من أخذ أوطانهم وتشريدهم في أصقاع الدنيا الفاغرة الأفواه والمتأهبة لإلتقافهم.

ووفقا لذلك، صار من السهل تسمية العربي باقبح الأسماء ومحقه وتدمير ما يمت بصلة إليه، وتواصلت نواعير التسميات القبيحة التي توفر الوسائل وتساند الإجراءات البشعة ضد العربي، مادامت التسميات سهلة وقاموسها غني بالمفردات القتّالة.

إن فقدان العرب لقدرات بناء الحجة والدليل، وتفويض العواطف والإنفعالات، ومنع العقل من الجد والإجتهاد لبناء المصدات الفكرية والمعرفية، وتقديم الحجج الوافية والأدلة القاطعة المعبرة عن إرادة العقل والتمسك المعاصر بآليات الحقوق، قد أوصلهم إلى مراتع الخنوع والهوان المرير.

ولا يزال العرب في محنة التفاعلات الإنفعالية الخالية من القدرات العقلية القاطعة، المانعة للتداعيات الخطيرة التي تحف بهم وتدفعهم إلى حيث الضياع والخسران، ولا بد من التفاعل العقلي والتواصل المبني على الحجة والبينة، والقدرة على إطلاق الطاقات الإيجابية والتمسك بإرادة الكينونة الجماعية، والمسيرة الحضارية البناءة التي تخدم مصالح الجميع، بدلا من التحول إلى قطيع تحرسه الذئاب والأسود المتأهبة للإفتراس اللذيذ، في ديارٍ تناست كيف تكون!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم