أقلام حرة

الكرسي لوحده يحكم!!

صادق السامرائيالكرسي هو القوة القاهرة والمتسببة بالويلات الجسام منذ الأزل، ولهذا كان الكرسي محرما على العامة حتى قرونٍ قريبة، لمخاطره ودوره العدواني في السلوك البشري، فالكرسي من اشرس الأدوات العدوانية التي إبتكرها البشر.

فالثورات تأكل رجالها، والأحزاب تتناسى عقائدها، والأديان تغادر قيمها وأخلاقها، وكل شيئ يتخلى عن طبيعته حالما يكون الكرسي موطنه.

كل ما يدور في الواقع المُعنّى بالصراعات سببه الكرسي، والكرسي وحسب!!

فالكرسي قوة مطلقة ومدار يتحرر فيه البشر من القيود والروادع، وتنفلت في دنياه آمارات المساوئ والرغبات والمطمورات العجيبة، التي تكنزها نفسه المعتقة على مر الأجيال.

وفي هذاالسياق تتشابه الكراسي ولا فرق بينها في جميع بقاع الأرض مهما توهمنا وتصورنا، فالكرسي يسند مؤخرة البشر ويعبر عما يتصل بالمؤخرة، وتلك حقيقة سيئة فاعلة في أيام البشر الذي يتخنع للكرسي ويتعبد في محرابه، ويتوهم بأنه يؤدي طقوسا ما!!

ومن الحقائق المغفولة أن الكرسي لم يكن له وجود في الحياة العربية، ولم يكن للرسول الكريم كرسيا أو لأحد الخلفاء الراشدين، وإنما كانت لهم منابر يتفاعلون منها مع الناس، ولم تدخل الكراسي في الحياة العربية إلا في الدولة الأموية.

ويبدو أن الوعي الحقيقي لمخاطر الكرسي كانت قائمة في وعي المسلمين الأوائل، لكنها دخلت إلى سلوكهم بعد إحتكاكهم بالأمم والشعوب الأخرى.

وبدخول الكرسي في الحياة العربية إنطلقت التفاعلات السلبية وإحتدمت الصراعات، لأنه صار يرمز للسلطة والقوة والقيادة والمسؤولية والتحكم بمصير الأرض والبشر، وبسببه عمّت الشرور وتقاتلت الأمم وإنتشر الوعيد والخطر.

وتجد العرب اليوم وعلى مدى القرن العشرين في محنة الكرسي وكيفيات الإستحواذ على السلطة من قبل هذا وذاك أو هذه الفئة أو تلك، ويقوم العرب بفعل كل شيئ من أجل الإمساك بالكرسي العتيد الذي يحسبونه الدين والوطن والغنيمة الكبرى التي لا مناص من الإمساك بها حتى الموت.

ولهذا فأن المشاكل العربية لا يمكنها أن تصل لحل ما دام الكرسي هو الهدف، وما دام العرب لم يتوصلوا إلى صيغ معاصرة للتعامل مع الكرسي وتحجيم دوره بدستور رادع وفاعل في حياتهم، وإنما هم يتداولونه كما تتداول وحوش الغاب القوة والهيمنة والتحكم بمصير الموجودات الأخرى من حولها.

أي أن العرب لايزالون بعيدين عن التعامل الحضاري مع الكرسي، ومنهمكون بالسلوك الغابي المتوحش القاسي عندما يتعلق الأمر بالكرسي.

وعليه فأن تشريع الدساتير الكفيلة بتحديد دور الكرسي في حياة العرب من أهم الخطوات التي تضمن حاضرهم ومستقبلهم، وإلا فأن نواعير المآسي ودوامات الكراسي ستبقى فاعلة في صناعة الجحيمات العربية المستعرة دوما!!

 

د. صادق السامرائي

21\11\2017

 

في المثقف اليوم