أقلام حرة

الإنسانية والسلوك!!

صادق السامرائيأحتار في أمر السلوك ويُدهشني سلوك البشر في أصقاع الدنيا المترامية المتأججة بالرؤى والتصورات والمعتقدات والديانات.

أتجول في المجتمع الصيني ولا أجد مشردا أو جائعا، وفي اليابان أتساءل عن الفقراء فلا أرى فقيرا سائبا في الشوارع أو متوسدا الأرصفة، وأجلس في مقهى صغير في إحدى شوارع لندن وأمامي مشرد ينام مع أكداس القمامة، حتى توهم المارة بأنه ميت فاتصلوا بالشرطة، وجاء الشرطي وندهه فتأكد أنه حي فتركه وشأنه، وأنا أتأمل الموقف متعجبا!!

وهذه أمرأة تجد وتجتهد وتصرف أموالها في إعداد وجبات طعام مجانية للجياع والمشردين، وهي في كل يوم تمضي بسيارتها وتطعم الجياع في الشوارع والأماكن التي يتواجدون فيها.

وهذا رجل ذو دخل محدود، تولع بالقطط المشردة فيرأف عليها ويشتري لها الطعام ويتابعها، فيذهب إلى حيث توجد قطط سائبة فيطعمها.

وهذه مجموعة من المتطوعين متأهبة لمعالجة أي حيوان مصاب، فحالما تتصل بهم يحضرون ويعالجون الحيوان المصاب حتى يتعافى ويطلقونه للحياة.

وهذه ممرضة وجدت خشفا (غزالة) بلا أم، فاحتضنتها ورعتها وأرضعتها وبذلت المال والوقت من أجلها حتى كبرت وصارت صديقة لها ومتعلقة بها، ولا تريد مفارقتها، رغم أنها قد وهبتها الحرية والأمان، لكنها تعود إليها.

وكان لي صديق متولع برعاية صغار الغزلان، فيوصي الصيادين أن يأتونه بالصغار الذين بلا أمهات، فيقوم بتربيتهم وإطلاقهم.

وهذا فلاح سويسري يقول لي عندما أحصد الزرع لا بد من التأكد من عدم وجود طير أو حيوان راقد فيه لكي لا يُصاب بأذى، ولديه طريقته في تنبيه الطيور والحيوانات التي ربما تكون راقدة على بيضها أو ترعى صغارها.

إنها أمثلة قليلة من حالات تتكرر في هذه الدنيا، ومن الصعب أن نجد مثلها إلا فيما ندر في مجتمعاتنا، التي تقسو على الحيوان ولا ترحمه بل حالما تظفر به فأنها تقاتله وتقضي عليه.

أذكر ذات مرة كنا في رحلة إلى الريف وكان معنا رجل يحمل بندقية وقد توقفت السيارة لعطل ما، وفي أثناء ذلك مر من فوقنا سرب من القطا، فما كان منه إلا أن أطلق عليه النارمن بندقيته وأسقط عددا منه، وأسرع نحوها وفصل رؤوسها فورا، وعاد مبتهجا متباهيا.

هذا سلوك بشري لا يهذبه دين، إنه كامن في جوهر المعاني الإنسانية التي يفوز بها بعض البشر دون سواهم، أما الغالبية فربما هم من الذين يريدون الإنتقام من الأحياء وحسب.

فمن الذي يبعث الرحمة في النفوس البشرية؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم