أقلام حرة

أكداس الهموم والجيل العزوم!!

صادق السامرائيالبشر يولد من رحم الهموم، ويتكون في قلب الويلات، ويتغير بتأثير حرارتها وتفاعلاتها وقدرتها على التأثير فيه وإحداث التغير المستعد له.

إن الهموم والويلات تطحن البشر وتعيد ترتيبه وصياغته من جديد، فترى ذلك التعبير والولادات الجديدة واضحة على قسمات وجهه وفي سلوكه وفعله.

وكلما تعاظمت الهموم وقست وتكدست، أنتجت بشرا بمواصفات تتناسب طرديا مع شدتها وعنفها وتأثيراتها وحرارة تفاعلاتها، وكذلك مع طبيعة كيان ذلك البشر وتركيبته العاطفية والنفسية.

ومن يتأمل الأجيال العراقية الحاضرة التي تتحرك على أرض العراق، سيعرف بوضوح أنها أجيال ناتجة من مطحنة الهموم والآلام والجراحات والحصارات والحروب.

فالجيل الأكبر هو الذي إستمر في معاناته وعصفت به الهموم المتنامية المتنوعة، والناجمة عن السلوكيات الإستبدادية وهموم حرب ثمان سنوات مروعة، والتي أكلت الأخضر واليابس، ومن بعدها حرب أخرى أشد بشاعة وقسوة، وإستمر في همومه حتى دخل في مأساة الحصار وعلى مدى ثلاثة عشر عاما، مما جعل همومه تغلي وتستعر وتدمر كل ما عنده وفيه.

الحصار كان أقسى من الحرب والموت، ولا يعرف همومه وقسوته إلا من ذاقه وتجشم ويلاته وعناءاته اليومية.

هذا الجيل المطحون بالويلات، كان ينتظر بارقة أمل وتخفيفا للهموم، وإذا به بحرب أخرى بكل تداعياتها القاسية، والتي توجت همومه وأدخلته في نفق المجهول المشحون بالخوف الإنفجارات وضياع الأمن والأمان.

هذا الجيل المسحوق بكل مافية، وجد نفسه أمام جيل آخر، جاء من خارج البلاد، ذاق بعض همومه ولم يعشها ويعانيها مثلما هو عاشها وعاناها.

وهو جيل أقل عددا من الجيل الذي قاسى قهر السنين وويلات الظلم والألم العميم.

وهو جيل مصنوع في معمل ويلات وهموم مختلفة تماما عن جيل الداخل.

إنه جيل منقطع عن حياة الداخل وعلى مدى عقود زمنية لها حساباتها الإجتماعية والنفسية.

أي أننا في العراق أمام حالة إجتماعية وتأريخية خاصة جدا، يتصارع فيها جيل الداخل مع جيل الخارج.

الجيل الخارج (القادم) يريد الحكم والسيطرة وإمتلاك زمام الأمور وفق رؤى وتصورات تستند إلى ظروفه ومعاناته، التي يمكن إختصارها بمجابهة النظام السابق والعمل على إسقاطه بالتعاون مع قوى دولية.

هذا الجيل الخارج (القادم) يريد تجريد الجيل العراقي الأكبر من دوره في الحياة لأسباب وذرائع ومنطلقات متناسبة وهمومه وتصوراته المصنعة خارج حدود العراق.

بينما جيل الداخل الذي قاسى وعانى، يرى أنه المحق الأول وصاحب المشكلة والضحية الأولى في مسيرة السنين السابقة، بكل ما جاءت به من جور وحرمان.

إن هذه الظاهرة تغيب تماما عن النظر ويتم الإلتفاف عليها بالتهميش والتضليل والدخول في صراعات طائفية ومذهبية لتشويه الحقيقة والقفز على الواقع الأليم.

إن جوهر الصراع القائم يكمن في عدم التوافق ما بين جيل الداخل وجيل الخارج.

إن النفس العراقية لا ترض بسهولة بالرضوخ إلى العراقي الذي جاء من الخارج، وتنظر إليه بعين أخرى، وتلك خصوصية قائمة في النفسية العراقية.

إن عدم وعي هذه الحالة وتأملها بصدق وعقلانية، سيؤدي إلى عدم الإستقرار الأكيد وسيبقى الصراع الخفي بين الجيلين، وهذا الصراع سيكون مرهونا بتواجد القوة الساندة للجيل الخارج.

 

وعليه فأن في العراق حالة صراع لا يمكنها أن تنتهي أبدا، لعدم إستيعاب الأجيال لهموم بعضها البعض، ولعدم تخلصها من إنفعالاتها وتكويناتها التي تصنّعت في ظروفها التي مرت بها.

القادم من الخارج والمنقطع عن أهله لعقود عديدة لا يمكنه، ومهما إدعى ورأى أن يكون قريبا من الجيل الداخل في معاناته وتصوراته.

لأنه لا يراهم بل يرى نفسه وما تحشد في صدره من إنفعال.

وبسبب ذلك، فانه يقع في خطأ التصورات والتعميم الأليم، فيحسب مَن في الداخل عدوا له، لأنه قد بقي تحت رحمة النظام ولم يغادر أرض العراق مثله، وهذا التصور له فعله ودوره في أحداث العراق المتواصلة.

وعليه فان مسلسل الفواجع العراقية سيتواصل، مادام التقاطع الإنفعالي ما بين الأجيال قائم، وما دامت الشراسة والوحشية قد طغت، وروح الإنتقام قد تصاعدت.

لكن التأريخ يقولها بوضوح، أن مجتمع الداخل المُعاني، حتما هو الذي سيربح، في ختام مسيرة الصراع الذي يكلف الطرفين الكثير جدا، وأن هذا الجيل سيلد جيلا يزعزع أركان السلطة وسيستعيد كرامة الإنسان.

 

وإنّ الجواب في صفحات الزمان!!

 

د. صادق السامرائي

20\11\2005

 

 

في المثقف اليوم