أقلام حرة

القايد والبير.. مقاربة سوسيولوجية

تقول الحكاية ان احد القياد تم تعينه في منطقة ذات خصوصية تقافية واجتماعية مغايرة للبيئة التي عاش وتعلم فيها .

حتى تكوينه القانوني والاداري سواء بمساره الدراسي او بمدرسة تكوين اطر الادارة الترابية لم تشمل دراسة تقافة المجتمعات والتجمعات التي سيعمل بها .

استقر القايد بمكان عمله، كل شئ غريب عنه، ومغاير لما اعتاد عليه، العادات والتقاليد ونوع الكلام واشكال التواصل، احس ان الامور صعبة ومعقدة، اتصل بزملائه وببعض اصدقائه من اجل المشورة وكيفية التصرف مع واقع غريب !

الكل يطابه بالصبر والتدرج وان ان الانسان يملك القدرة على التلاؤم مع المحيط، هكذا كانت النصائح والوصايا، وابهض اكد ان البدايات تكون دائما صعبة بعدها كل يشير سيتغير ..

مر الايام لاشئ تغير .

مر الاسبوع الاول والتثاني والثالث لاشئ تغير .

مر الشهر الاول والثاني والامور لا تغير .

الايام تمر والقايد مازال يعيش عزلة بسبب صعوبة التواصل داخل بيئة غريبة لم يستطع فك رموزها من اجل القدرة على العيش والعمل والتفاعل .

فقد القايد كل مخزون الصبر وحرر رسالة استقالة موجهة الى ادارته دون تقديم اية شروحات .

بمجرد التوصل برسالة الاستقالة ثم استدعائه من اجل الاحاطة بالموضوع ومعرفة الاسباب والدوافع !

حكى لهم القصة وانه يعيش عزلة وسوء تفاهم مع اناس لا يشترك معهم في اي شئ، ساله احد المسؤولين بهدوء؟

و ما هو المشكل وراء الاستقالة !

اجاب، ان التواصل منعدم وانهم يفهمون الاشياء التي اطالب بهم بالمقلوب؟

المسؤول : اعطينا مثالا حتى نفهم !

القايد : مثلا اطلب منهم الحضور الاربعاء ياتون الجمعة، فهم يفعلون عكس ما اطلب

المسؤول : ماهو السبب في عدم غياب التفاهم؟

القايد : يقال ان هناك بئرا يشربون منها، وربما ان ماء البير هو المسؤول على هذه الفوضى،

المسؤول : ومن اين تشرب انت؟

القايد، احمل معي ماء معدنيا .

لحظة صمت تسود، بعدها يبتسم المسؤول ويطلب من القايد ان يشرب من البير حتى يصبح مثل السكان، انذاك سيسود التواصل والتفاهم، مخاطبا اياه : شرب معاهم وغاد تفهم كلامهم .

الحكاية قد تكون رمزية، لكنها تؤدي وظيفة ديداكتيكية تكشف شروط نجاح رجال السلطة في مهامهم، من خلال مراعاة الجانب الثقافي والانتربولوجي والسوسيولوجي للمناطق الي يعملون بها في تكوينهم والاستفادة من الخبرة التي بنوهافي مجالات عملهم .

المنطق الذي تدار به الحركة الانتقالية لرحال السلطة يحمل جزءا من الخلل، حيت انه لا يتم مراعاة الخبرة التي راكمها رجل سلطة مثلا بمنطقة قروية لها خصوصياتها ومشاكلها ورهاناتها وطرق التعامل مع المواطنيين وفعالية تدبير المجال وغير ها من الثقافة التدبيرية التي تكتسب من خلال الاحتكاك مع المجال، بعدها يتم تنقيله الى منطقة لا علاقة لها بخصوصية المنطقة الاولى، يصبح الانسجام مع المنطقة الجديدة مشروط بنسيان التجربة السابقة .

شئ جيد ان يمتلك رجل السلطة تنوعا تقافيا من خلال العمل بمختلف المجالات الجغرافية بتركيبتها الخاصة هو ما يقود الى تكوين متنوع للقياد، وهو امر كان قائما في عهد الحماية الفرنسية حيت كان المراقب المدني هو سوسيولوجي المنطقة مثلا تاريخ السراغنة كتبه المراقب المدني دولورم 1929 .

غيران البحث عن الفعالية تقتضي الاستثمار في الخبرات المكتسبة وليس تبديدها لان من يعمل بالمنطقة السهلية ليس كم يعمل بالمنطق الجبيلية .

الامر يقود الىضرورة التفكير في مبدا التخصص الوظيفي قبل التخرج واثناء فترة التكوين بناء على مجموعة معايير : الانتربولوجي والجغرافي والثقافي .

الخبرة وبناءها يعتبر رأسمالا مهما لانجاح المهمة الادارية والتدبيرية للمثل السلطة المحلية لكن الرهان على البعد التنموي ومساهمة ممثل السلطة فيها رهين بالقدرة على الاستثمار في الخبرة المكتسبة وتطويرها وليس تبديدها بمجرد الانتقال الى مجال اخر يبدا فيها مسلسل البناء من جديد .

 

د. الفرفار العياشي

 

في المثقف اليوم