أقلام حرة

سيناريوهات تأملية

عقيل العبودكوفيد رحلة الموت ١٩

انفاس الزائرين هذه المرة، لم تكن كعادتها حاضرة مع الصلوات؛ المرقد تلك الفضاءات المطرزة بذلك البريق، القباب وتلك المنارات، السقوف المغلفة بتلك الزخارف، كأنها بذلك الشموخ، تستعرض أمراً ما ،السماء هي الأخرى تلبدت بالغيوم، المنارات العالية ألوانها تبدلت، كأنها اصابها الذهول، انكمشت اسوارها،

بل بقيت مآقيها تحبس الدموع، لعلها نيابةً، تلك الدعوات تحمل استغاثات توسلهم، اولئك الذين فجأة دهاليز الموت راحت تداهمهم؛ تعبث في صفوفهم، لتقتاد احلامهم عند اقبية الوجع المسكون بنوبات الطاعون.

اما الوباء هذا الذي ذراته اليوم تقطع دقائق انفاسنا، فلم يعد يحتاج الى مكان واحد، بل هو هكذا قرر ان يحمل فوق اجنحة الزمان توابيت آفته المخيفة، ليطوف بها بعيدا نحو أقصى بقاع الأرض.

هنالك من نوبات البرد القارس، القش، تلك الدقائق المشحونة بنتوءات الألم المطعون بذرات الهلع، لكأنه يطاردنا نحن، ينشر الذعر بيننا، ليقود خطانا صوب ذلك الامتداد الهائل من العواصف.

الأحبة، الأصدقاء، الحاضرون الواحد تلو الاخر صرنا نودعهم، نبحث عن اسمائهم، الأسئلة، احشاؤها تجمدت، الحركة اختبأت، صارت تبحث عن منفذ للحياة؛ الأشياء جميعها تعطلت، المقصلة هذه المرة نقطة تنفث سمومها لتجتاح هذا الامتداد الواسع من الكون، تتحدى كبرياء العالم.

الطالبة التي معلمة الصف وذاكرة المدرسة وتلك الألعاب وصحبة الصغار تجول في عقلها كل نهار ، ما انفكت تنظر الى حقيبتها المدرسية، تتطلع اليها كأنها تسأل اوتبحث فيها عن فرح مفقود، تلك الابتسامة التي ترتسم على وجهها، حذاؤها تلك الجوارب، المحفظة، اقلام التلوين، وكراسات الرسم حكايات لا تخلو من حاجيات طفلة لم يتجاوز عمرها سنوات اربع، تتلوها سيناريوهات مجهولة.

لذلك الصمت بأثقال ستائره مواساةً، استلقى عند نافذة الليل لعله يحظى ببقعة تنام فوق اهاتها، دموع المتعبين.

الجائع الذي بالأمس كان يفترش الخبز على الرصيف، أغطيته الرثة جميعها تحولت صوب حكاية لا يعرف مصيرها بعد.

الأرواح لم تكن تغادرنا، تنأى وجوداتها عنا لسبب نكاد ندركه كما كنا قبل أيام، بل ان هنالك شيئا من قبيل هذا الذي أدرَكَنَا؛ تمكن منا فجأة ليختبئ بيننا.

شبح ثقيل، افة على حين غرة استوقفتنا، لتختطف خيوط الشمس منا، لذلك، الصباحات، زقزقاتها تعثرت، فضاءاتها تحولت الى مغارة تنام في جوفها الافاعي، العصافير تِباعا، تساقطت أعشاشها، لتلفظ انفاسها دون ان تموت.

المراهق الذي كان بصحبة زميلته الجامعية بقي واقفا متسمرا عند سيارة اسعاف، ليتم نقله على سرير تم تخصيصه للحالات الطارئة.

السكة الحديدية تلك التي تتبعها اروقة المحطات لتنام في الليل بضع سويعات، احاط بها السكون تماماً.

القشعريرة قررت ان تعلن عن نفسها على شاكلة حمى أتيح لها مرافقة كيانات غضة، لتنام عند أدران الجسد المطعون بنوبات البرد القادم من ظلمة السكون، ذلك الذي على اثاره، الليل أعلن عن نفسه ملكا يحكم هذا العالم بلا عرش.

 

عقيل العبود

........................

* صور حسية لها علاقة بمشاهد تأملية لا يجمعها مكان ولا زمان واحد.

 

 

في المثقف اليوم