أقلام حرة

انتقام الأرض منا!!

صادق السامرائيالأرض موجوعة بأبنائها ومفجوعة بخلقها، وهي كائن كوني حي له مزاجه وقدراته الدفاعية وطاقاته التدميرية العلنية والخفية، ولا يمكن للأرض أن تقبل بما يتحقق على ظهرها من التفاعلات المشينة، التي تخزيها وتهينها أمام الأحياء الكونية الأخرى.

فالأرض تبدو وكأنها تعد العدة للدفاع عن نفسها وتحرير ترابها من طاقات الشرور والبغضاء والكراهية، وهي غاضبة وحزينة وتكظم ما فيها من النوازع والدوافع، التي لو أطلقتها لحطمت النسبة العظمى مما عليها من الموجودات.

والأرض ليست غبية، وإنما تتمتع بذكاء فائق وتعرف قوانين كينونتها ومعايير صيرورتها، ومنطلقات تفاعلها مع غيرها من الكائنات والمجموعات والكواكب الدوارة المأسورة بمداراتها وآليات جذبها وتنافرها، وموازين كونيتها التي تؤمّن ديمومتها ونجاتها من آفات الإلتهام الكوني اللهاب.

وعليه فأن الأرض تبدو وكأنها تريد أن توقف البشر عند حده، وتعلمه ضرورات التعايش التفاعلي الخالي من الصراعات المهينة وسفك الدماء الذي كرهه التراب، ومضى يشتكي لأمه الأرض من إختناقه بما يتدفق من عروق الأبرياء والمساكين من الخلق المرهون بالويلات.

ولهذا فربما تعد الأرض عدتها لتطهير ظهرها من أسباب الموبقات ومفردات الآهات، وهي أقدر من جميع مخلوقاتها على القيام بفعلها الرجيم، ويتضح مما يتحقق أن الأرض ربما ستطلق ذخيرتها اللامرئية ذات الطبائع المايكروبية، التي ستحصد الخلق وتحيل الوجود الدنيوي إلى خواء.

فبرغم التقدم العلمي وتوهم البشر بأنه القادر على السيطرة على الأوبئة والأمراض السارية والمعدية، لكن الأرض تأبي أن تذعن لإرادته، وتسعى لسيادة إرادتها والمحافظة على توازن ما عليها، فقدراتها محدودة، ولا طاقة لها بهذه الأعداد الغفيرة من المخلوقات، ولا بد لها من إعادة قوانين توازنها وتفعيلها بقوة وإرادة راسخة لكي تحافظ على بقائها.

فالموضوع ما عاد يقبل التأخير أو التريث، لأن البشر صار قادرا على تدمير الأرض وتحويلها إلى ذرات غبارية، وطعما لأجرام سماوية أخرى تبحث عن الطاقة اللازمة للحفاظ على مناهج الدوران، والأرض تكنز طاقات كبيرة، ولهذا فهي الهدف السمين والمغنم الثمين، ولن تسمح لمن فيها أن يقدمها على طبق من ذهب للآخرين، ولهذا فهي في مرحلة التحضير للإجهاز على بشرها العدواني الذي لا يحترمها ولا يشكرها ولا يعزها، بل يتمادى في غيه وتجاهله لما يسببه لها من أخطار وويلات جسام.

وإن لم يرعوي البشر فأن الأرض ستمتشق أعاجيب ما فيها وتطمر من عليها، وستأنس بوحدتها بإنتظار خلق جديد يولد من بين ظهرانيتها، ويمضي في رحلة الدوران الصيروراتي البعيد.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم