أقلام حرة

حبل الوصال بين ستالين وصدام

اياد الزهيريتؤكد الأبحاث النفسيه والأجتماعيه (السيكو - سيسيولوجي) أن هناك تفاعل متبادل بين الأنسان والمكان الذي يولد وينشأ به الطفل، والمكان هنا يشمل (الجغرافيه، والعائله، والمجتمع). هذا التفاعل يحدث نتيجه لأستجابة مشاعر الأنسان لمنبهات هذه البيئه، فمثلاً أستجابة أبن الصحراء لطبيعتها المجدبه غير أستجاب أبن البيئه الزراعيه الغناء بجمالها، وليس كذلك كأستجابة أبن المدينه المليئه بالحركه، ونشاطات المرح، وما تبثه من الأشعاع الحضاري والمدني في نفوس قاطنيها. كما يعني المكان العائله وما تحمله من طباع وسلوكيات وأثرها على سلوك الطفل وصياغة نفسيته، فمثلاً الوالدان اللذان يتسمان بالحنان والعاطفه الجياشه أتجاه ولدهما، لهما من الأثر والأنعكاس النفسي غير الأبوين المتسمين بالجفاء والقسوه. كذلك المجتمع هو الأخر لا يقل تأثيراً في صياغة الشخصيه المستقبليه للطفل . فالمجتمع الودود والمتسامح والمشجع للخير، غير المجتمع المتسم بالتغالب والحقد، والطباع الخشنه، والموسوم بالجريمه والقتل. من كل ذلك تلقي .هذه العوامل بظلالها على نفسية الأنسان وتكوين شخصيته، ومن هذا يتضح أن هناك طبيعه تفاعليه بين الأنسان وبين هذه المنبهات البيئيه، لتنتهي الى صياغة صفات نفسيه ذات طبيعه أيجابيه أم سلبيه، كل حسب أيحائاتها نحو الفرد الذي تحتضنه هذه البيئه بكل عناصرها المذكوره أعلاه، حتى أن بعض المفكريين ربطوا بين المكان وصناعة الشخصيه علاقه حتميه حيث قال (أعطني خريطة دوله ما، ومعلومات عن موقعها وماءها ومناخها، ومظاهر الطبيعه الأخرى.. بأمكاني في ضوء ذلك أن أحدد لك نوع الأنسان الذي يمكن أن يعيش في هذه الدول، وأي دور يمكن أن تمثله هذه الدول في التاريخ). هذه المقدمه أردت منها الأشاره، وأجعل منها الأساس الى الواقع المكاني الذي ساهم في تشكيل شخصية كل من ستالين وصدام حسين الذين تمتعا بالقسوه المفرطه والساديه المتوحشه. فلو نظرنا الى المكان الذي ولد فيه ستالين لرأيناه مكان جبلي غايه بالوعوره والبروده، أنها القوقاس، هذه البيئه التي أنجبت الكثير من المتطرفين التي زودت بهم داعش والقاعده، وهي من أنجبت ستالين وهَيئته لأن يكون فرعون عصره . كما أن الحاضنه الثانيه لستالين عائلته، فهو عاش في كنف والد فقير يمتهن تصليح الأحذيه (سكافي) وكان خماراً، ويضرب ستالين بقسوه مما ترك أثراً كبيراً على وَلده، حتى أن والده تركهم ورحل، وبقوا بلا معيل، كما أنه له أخوه أثنان ماتوا وهم صغار بسبب المرض، فعاش ولداً متمرداً على والدته، ولو نظرنا الى ولادة صدام لرأينا كذلك أنه عاش في بيئه مكانيه قاسيه . ولد في قرية العوجه في تكريت، منطقه تقع على حافة الصحراء، ذات طبيعه جافه وقاسيه، وفي مجتمع عشائري يكون فيه مبدأ البقاء للأقوى، مجتمع يتسم بالثارات العشائريه والعائليه، حتى أن القتل بينهم حاله مألوفه، كما عاش صدام طفوله قاسيه حيث توفي والده قبل ولادته بعدة أشهر وكان رجلاً فقيراً يعمل حارساً، كما أن له شقيق مات بسبب المرض، فتزوجت والدته من أبراهيم الحسن والتي تشير بعض المصادر الى أنه قاطع طريق، ومنهم من يقول كان يعمل بواب في مدرسه، كان لا يحمل مشاعر الود لصدام وكان دائم الضرب له، وكانت والدته تحميه كثيراً من بطش زوجها الثاني مما أضطرت الى أبعاده الى خاله خير الله طلفاح في بغداد لتحميه من زوجها القاسي.

يتضح من خلال تتبع طفولة هذين الدكتاتورين أنهما عاشا حياة مؤلمه وقاسيه، أنعكست على حياتهم وصياغة سلوكياتهم، مما أثر لاحقاً على تركيبتهم القياديه التي أتسمت بالوحشيه والساديه المفرطه.

يتفق المراقبين لشخصية الرجلين بأن لهم صفه مشتركه الا وهو السلوك السادي والعدواني، كما يتسموا بالنرجسيه الشديده، والأعتداد بالنفس المبالغ فيه، هذه المشتركات أغرت صدام حسين بتقليد تجربة ستالين بالحكم، فأخذ يحاكيه بتصرفاته، فمثلاً كان ستالين الرجل الثاني بقيادة الأتحاد السوفيتي بعد لينين، وقد أصيب لينين بالمرض مما جعله طريح الفراش، فبادر ستالين وبفعل طموحه الشخصي الى أستغلال مرض لينين فتبوء المركز التنفيذي الأول بدل رفيقه لينين، وهو الأمر نفسه، حيث صدام حسين هو الرجل الثاني بالحكم بعد أحمد حسن البكر، وكان الرجل مريضاً في سنواته الأخيره، فأستغلها صدام وأحجره في بيته وأجبره على التنازل عن رئاسة الجمهوريه وأصبح هو الرجل الأول بالدوله، ولو تتبعنا سيرة الرجلين لنشاهد بأن ستالين قام بالأنقضاض على منافسيه وخاصه تروتيسكي وجماعته، فالقى القبض على تروتيكس ونفاه الى معسكرات الأعتقال في سيبيريا وبعد ذلك بعده الى المكسيك، ومن ثم أغتياله حيث أتهمه ستالين بأنه خرج عن المباديء الماركسيه، كما تخلص بعد ذلك من منافسيه من أعضاء الحزب بالقتل و السجن . تميز ستالين بالحكم الفردي، فقد عرف الأتحاد السوفيتي في عهده نمط حكم الفرد والأعتماد على الأيديولوجيه الحزبيه، فأباد أعضاء اللجنه المركزيه للحزب، كما أباد كل من يشك بمعارضته له فقتل الآلاف من المواطنين، وزج بالآلاف بالسجون، كما قام بالترحيل الجماعي والتطهير العرقي، كما وقع على أعدام 25700 من المثقفين البولندين، كما قضى على ما يتراوح بين 30 الى 40 الف من المساجين فيما يعرف بمذبحة المساجين، كما أقام المحاكم الهزليه في موسكو غطاءاً للتخلص من خصومه، ومن الملاحظ أن ستالين قام بأعدام الكثير من جنرالات الجيش الأحمر أيام الحرب مع ألمانيا، ولو قارنا أعماله هذه نشاهد أن صدام حسين قلده فيها جميعها، فهو بعد تسلمه السلطه قضى على رفاقه الذين يعتبرهم منافسين له، فأقام لهم محاكمه صوريه وتخلص منهم في عام 1979 م في حادثة قاعة الخلد الشهيره، كما تخلص من منافسه عدنان الحمداني فالقاه بالسجن ومن ثم أعدمه وهذا عين ما فعله ستالين مع تروتسكي، كما انه أرسل عبد الرزاق النايف الى لندن وحردان التكريتي الى الكويت وأغتالهم كلً في مكانه وتخلص منهم كمنافسين، ويشك في ولائهم له، وكما أعدم ستالين الكثير من المثقفين والعلماء أقدم صدام كذلك على أعدام الكثير فعلى سبيل المثال من العلماء والفلاسفه كمحمد باقر الصدر والدكتور رياض أبراهيم، ومن المثقفين على سبيل المثال لا الحصر المفكر والكاتب عزيز السيد جاسم، وكما أعدم ستالين الكثير من القساوسه والرهبان كذلك قام صدام بأعدام الكثير من علماء الدين من أمثال الشيخ الغروي ومحمد صارق الصدر ووالشيخ مهدي السماوي والمئات منهم والذي لا يسعني ذكرهم جميعاً في هذا المقام، هذا أضافه الى قيامه في أعدام الكثير من المساجين في ما يسمى بحفلات الأعدام في السجون، كما قام بأعدام جماعي للكثير من المعارضين ودفنهم أحياء بمقابر جماعيه في الصحراء الغربيه في العراق، ومنهم أهالي الدجيل وقسم من الأكراد وأخيراً اعدم بمقابر جماعيه المشتركين بالأنتفاضه الشعبانيه وهم يقدروا بالمئة الف أنسان، هذه الجرائم قام بها ستالين قبله في الكولاك التي أعدم بها ملاين الفلاحين الذين عارضوا خطة ستالين في الجمعيات الفلاحيه، والأمر لا يقتصر في محاكات صدام لستالين عند هذا الأمر بل قلده أيضاً في عملية التطهير العرقي فقد قام ستالين بأعدام الملايين من أبناء القوميات بحجة التوازن الأثني ورحل الملايين، وهذا عين ما قام به صدام من تهجير للأكراد وأعدام الكثير منهم وحادثة الأنفال وحلبجه خير دليل على أجرامه . لم يقف صدام بأعجابه بستالين عند هذا الحد، فبات يقلده حتى في مشيته وبأبتسامته المصطنعه، وحتى في تدخينه للسكائر، فالأول يستعمل البايب وصدام يستعمل السيكار الكوبي لأن هذا التصرف توحي للآخرين بقوة الشخصيه والأيحاء بالقوه والجبروت أتجاه الرفاق أولاً والشعب ثانيأ، كما يمكننا الأشاره الى سلوك يحرص عليه ستالين الا وهو اللقاء مع الأطفال بغية تمليع صورته، والظهور بأنه أب الشعب وراعيه، وهذا هو السر الذي جعل صدام يمثله في عمل عيد ميلاد له، الغرض منه أحضار الأطفال فيه وأنشاد الأغاني له، والذي يقوم هو بدوره بتجميعهم حوله والتحبب اليهم بلقطات لا تخلو من تمثيل . طبعاً لم يترك صدام شارده أو وارده الا وأقتنصها من ستالين، فمثلاً حين أنتصر الجيش الأحمر على هتلر، عمل على أقامت أستعراض كبير جداً في الساحه الحمراء أظهر بها نفسه ستالين بأنه مهندس الأنتصار وبطل المعركه، وهكذا حدى الأمر بصدام بقامة أستعراض عسكري كبير بساحة الأحتفالات الكبرى وظهر صدام ممتطياً حصاناً أبيض ماراً تحت قوس من سيفين كبيرين جاعلاً من نفسه بطلاً لمعركة القادسيه الثانيه التي قادها ضد أيران .

أن الطاغيه ستالين أعتمد أعتماداً كبيراً على الصوره الدعائيه التي صورته كأسطوره قياديه قلما يجود الزمان بها، خافياً وراءها شخصيته الحقيقيه المقيته والقاتله، ذات الحقيقه البشعه، فكان ممثلاً في أستعراضاته أمام وسائل الأعلام، وهو عين السلوك الذي أتبعه صدام من حركات أستعراضيه، مرةً في أرتداءه لملابس عصريه مع القبعه والسيكار، ومرةً باللباس الريفي بالعباءه والعقال، ومرةً بحمله السيف، وحمله للسلاح الناري لتسويق صورته للجماهير على أنه بطل الأمه العربيه وفارسها المغوار وقائد مسيرتها الظافره . أن التطرق لحياة صدام حسين وأستعراض أساليبه في الحكم، الغايه منها هو أظهار مدى أستنساخه لتجارب الطغاة ممن سبقوه في الأجرام والحكم، وأن ما سوقه الأعلام من شخصيه خرافيه لصدام حسين وما صنع له من شخصيه لا تمت لواقعه في شيء، وأن الرجل أجوف التفكير، لا كما يشيع له حزبه وأنصاره من نبوغ كاذب يصبغوا فيه شخصيته .

 

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم