تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

محمد سعد: خيال المآتة!!

لماذا إخترع الإنسان فزاعة في الحقول كدمية على شكل بشر...؟!.. لأن الطيور تعرف كمية الشر فيه. في كل صباح استيقظ علي صوت يبدأ بالسقسقة والشقشقة وهي أصوت العصافير وقت الصباح، وبين صوت صغارها من أصوات الزميم، والصرير،ومع إرتفاع إشراقة شروق الشمس ترتفع الأصوات اللحن بين الزقزقة والتغريد....ومن عادتي في الصباح أتناول مشروب الشاي وأشعل سيجارة في البلكونة، وأراقب حركة العصافير

بين عشش علي حوائط المسجد الملاصق للمنزل وعلي أسلاك الكهرباء يحدث حركات غير إرادية وسرعة للتحرك والطير وكأنها تراقب عدو سوف يفترسها، يقول: الفيلسوف جاستون باشلار: هل كان العصفور يبني عشه، لو لم يملك غريزة الثقة.؟!

في عام 2014 وأثناء إقامتي في شمال ألمانيا وبالقرب من الحدود الدنماركية كنا نعمل في الدعاية والإعلان في احدي الصحف. وكان المشهد غريب بالنسبة لي وجود قطعان من الغزلان تجوب الشوارع وعلي شاطئ بحر الشمال والبحيرات والغابات والحشائش المتاخمة لها..،

هل كانت الغزلان تتجول هنا في الشوارع، قادمة من الغابات في مواسم الثلج تبحث عن طعام، لو لم تكن تعرف بدقة نوعية البشر هناك..؟ أليست هذه الطمأنينة نتاج تجارب طويلة من قرون..؟

هذا المشهد ليس للتسلية، كذلك صورة للعصافير بجوار منزلنا.. من عدم الثقة.. والهروب وليست صورة تشبة حالة غزال في شارع بجواري أثناء السير، بل صورة نظام ومجتمع وثقافة ومواقف وأحاسيس ثابتة وعلاقة الإنسان مع ذاته ومع الطبيعة ومع الآخر...! حاول ان تغرس شجرة مثمرة او للظل علي رأس أرضك الزراعية في اليوم التالي لن تجدها سوف تختفي..!

حاول أن تقف تحت عصفور في العالم العربي وهو على أسلاك الكهرباء، سيراقبك طوال الوقت لأنه يعرف أية غفلة تكلفه حياته..، كيف وصل العصفور البريء الى هذه القناعة..؟! وكيف وصل الغزال الى قناعة عكسها..؟

الطيور والحيوانات لا تعرف الخطأ لأنها تدرك العالم بحواس صافية، ولا تحتاج الى شعارات وخطابات ومهرجانات عن الحرية والديمقراطية والعدالة بكل انواعها.. بل تحتاج الى التجربة.

لم يثبت التاريخ ان العرب تعلموا من كل التجارب، لكن الحيوانات والطيور تتعلم من تجربة واحدة.

لماذا إخترع الانسان فزاعة أو خيال المآتة في الحقول كدمية على شكل بشر وليس حيوان..؟!! لأن الطيور تعرف كمية الشر في الإنسان. ففي هذة اللحظات الفارقة من تاريخ العرب وحالات الخذلان من استباحة الدم العربي أصبحنا ليس لدينا ثقة مثل العصافير فينا. مع بعضنا البعض حالة من النفور بمجرد مشروع واحد للتقارب العربي العربي حتي ولو كان علي وقف نزيف الدم العربي العربي. هل كانت العصافير لها الحق في عدم الثقة فينا كعرب.؟!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري متخصص في علم الجغرافيا السياسية

في المثقف اليوم