أقلام حرة

كورونا وما بعدها..

عبد اللطيف الصافيالإكتفاء الذاتي وتعبئة الطاقات المحلية شعار المرحلة القادمة

أشعلت كورونا حربا شعواء بين الدول حول الأجهزة الطبية، حيث تم تجميد كل قواعد التجارة الدولية، وأجبرت العديد من الشركات على الامتثال لقرار وقف تصدير منتجاتها من التجهيزات والأدوية المرتبطة بالجهاز التنفسي على وجه الخصوص، بدعوى أولوية الاستجابة لحاجيات مواطنيها. وهكذا وجدت العديد من الدول، بما فيها تلك التي تصنف ضمن نخبة العشرين،نفسها في وضع لا تحسد عليه نظرا للنقص الحاد في حاجياتها الآنية وعدم جاهزيتها لتغطية هذا النقص بالسرعة المطلوبة في ظل الاجتياح الكاسح للفيروس.

إن من بين أهم الدروس التي تقدمها لنا هذه الجائحة أن كل السياسات الاقتصادية، من الآن فصاعدا، عليها أن تضع الاكتفاء الذاتي على المستويين الصحي والغذائي كأولوية حاسمة وان تستثمر بشكل أقوى في البحث العلمي وتشجع مجال الابتكار.

لقد أصبح من التابث اليوم أن بلادنا بدورها مطالبة بإعادة النظر في كثير من اختياراتها النيوليبرالية بدءا بتوجيه فلاحتنا ومنتوجاتنا البحرية إلى الاستهلاك الداخلي بدل حمى التصدير التي لا تعمل إلا على توسيع الهوة بين الطبقات الإجتماعية وتغذية التناحر الطبقي وحرمان أوسع فئات شعبنا من استغلال خيرات البلاد.

كما أن التوجه نحو التصنيع،خاصة في المجالات الحيوية كصناعة الأدوية والمعدات الطبية والصناعات المرتبطة بالمعلوميات والذكاء الاصطناعي يعتبر مسألة غير قابلة للتأجيل. وفوق هذا وذاك يبقى من الضروري الاهتمام بشكل أقوى بمنظومتي التربية والتكوين والصحة العمومية وإحلال القطاع العمومي موقع الريادة مع التأكيد على ضرورة القضاء على الريع ووضع حد للفساد الذي يساهم بشكل كبير في هدر الطاقات وتعطيل القدرات وتعميق حالة النزيف في شرايين الاقتصاد الوطني.

من الواضح، أن تداعيات هذه الأزمة لن تكون قصيرة الأمد، والتعافي منها لن يكون بالأمر الهين، كما انها ستتمدد لتشمل الفئات الأكثر فقرا، وسيكون تأثيرها قويا على المقاولات الصغيرة والمتوسطة وكل البرامج الموجهة سابقا للإقتصاد الإجتماعي، ومن تم فعلى بلادنا التفكير من الآن في استراتيجيات ما بعد كورونا بأن تجعل من الإكتفاء الذاتي والتضامن الإجتماعي شعار المرحلة القادمة بمضمون يرتكز على المنتوج الوطني وجودته وتعبئة الطاقات المحلية ودعمها وتأهليها، وإحداث قطيعة نهائية مع التوجه الذي قاد البلاد لحد الآن بسرعتين مختلفين متباعدتين جدا الأولى تنتج قلة من الأثرياء يستحوذون على أكثر من 90٪ من الثروة الوطنية والثانية تنتج أغلبية ساحقة ومسحوقة لا تستأثر إلا بالنزر القليل من خيرات البلاد.

 

 بقلم: عبد اللطيف الصافي-كلميم

 

 

في المثقف اليوم