أقلام حرة

اللقاح والمناعة الجمعية وكورونا!!

صادق السامرائيعند زيارة الجزر الكاريبية ينهض سؤال عن أصل ساكنيها وكيف جاؤوا إليها، وبعد البحث تبين أن الدول الإستعمارية في القرون الماضية كانت تستحوذ على الموز والقهوة، وكانت تستحضر معها بشر من أجناس أخرى للقيام بالعمل، وبعد فترة وجدت نفسها في محنة المواجهة مع الحمى الصفراء، التي أخذت تأكل جنودها بالعشرات والمئات، وعندما فقدت قدرات المقاومة والسيطرة، غادرت الجزر وتركت الأجناس الأخرى فيها، فمات منهم مَن مات وبقي مَن بقى بعد أن ساعده جهاز المناعة، أي أن الذين عاشوا إكتسبوا المناعة ضد الحمى الصفراء، فتوطنوا الأرض التي تُركوا فيها للموت.

وهذا ما يُسمى بالمناعة الجمعية أو مناعة القطيع، أي أن الوباء عندما يعصف بالمخلوقات فأنه لا يقضي عليها بالكامل، لأن هناك عدد منها سيبقى على قيد الحياة بسبب قدرته على إكتساب المناعة ضد الوباء، وهذا حصل مرارا مع الطاعون بأنواعه، والأوبئة الأخرى.

فالطاعون كان يقضي على النسبة العظمى من البشر وليس على جميعهم.

وفي زمن الكورونا، الوباء الوصمة في جبين البشرية المتطورة كما تدّعي، تجدنا أمام خيارين ثالثهما صعب وبعيد، فأما أن تتمكن البشرية من إنتاج اللقاح الذي يتطلب ما يقرب من السنة أو أكثر، أو إبتكار العلاج، أو أن تستسلم للوباء وتدعه يحصد ما يشاء والباقون هم الذين إكتسبوا مناعة ضده.

فالبشرية لا تمتلك سوى الإجراءات الوقائية للتقليل من عدد الإصابات وسرعة العدوى، لكي تتمكن مؤسساتها الصحية من إستيعاب المصابين.

فالقول بوجود علاج يثير تساؤلات، والوقاية خير من العلاج هي السلطان، لكن التوقي من هذا المارد الوبائي ليس بالأمر السهل، لأنه يتسرب إلى ضحاياه بشتى الطرق، حتى ليشل البشر ويمنعه من الحياة التي كان عليها، لأن سلوكه أصبح خطرا عليه.

ويُخشى أن لا خيار للبشرية إلا أن ترضخ لإرادة المناعة الجماعية، والعمل المثابر لتوفير اللقاح اللازم لتعزيز المناعة ضد الوباء.

فهل يصح في الأفهام أن يغزو الوباء العالم المتقدم ويلقيه أرضا، يتضور من الإصابات الهائلة التي أحاقت به، وأوقعته في مهلكةٍ عارمة؟

قادة دول كبرى أصابهم الوباء وتسلل إلى عروشهم، ووضعهم في الحجر المنزلي وفي المستشفيات، وقدرات العلاج والمواجهة غير طافية أمام فايروس فتاك عنيد!!

فهل أن غفلة البشرية أعطت أوكلها؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم