أقلام حرة

فضيحة كورونا!!

صادق السامرائيالقول بأن العالم متقدم ومتطور يدحضه وباء كورونا، الذي ما عهدت البشرية كمثله عبر أجيال وأجيال، ففي الوقت الذي تتقارب فيه الأجناس، وتتحول الأرض إلى مدينة صغيرة، يعرف سكانها وعلى الفور ما يحصل في أرجائها، تباغتت البشرية وبقوة أن عليها أن تنعزل، ويبتعد الأشخاض عن بعضهم لكي يحموا أنفسهم من صولة الفايروس الشديدة القاتلة.

ويمكن القول أنها فضيحة البشرية قاطبة، لأنها أمعنت المسير بإتحاهات مادية متفاقمة، توهمت بأنها هي القوة والقدرة والحياة، وتغافلت عن العدو اللامرئي المتعارف عليه والذي داهمها على مدى القرون الخاليات.

البشرية منشغلة بالعدوان على بعضها، وإذا بالوباء الكاروني يصول عليها ويشلها بالكامل، وهي في دهشتها وذهولها وعدم قدرتها على الفهم والإستيعاب.

الوباء يذكرني بمشهد كانت فيه القردة تتصارع، وهناك قرد عنيد يتأسد عليها ويزمجر ويضرب مَن يشاء، ويبدو أنه المهيمن على القطيع، وعلى شجرة قريبة كان فهد يرقب المشهد، وبغتة قفز من الشجرة وخمط القرد المتأسد من رأسه وقبض على عنقه بأنيابه، وأخذه إلى أعلى الشجرة وبدأ بأكل ما يستطيع منه، والقرود في ذهولها واجمة، وقد تفرقت وارتعبت، وسادها الهلع والخوف، وهي لا تعرف ما جرى، وكل منها صار يفكر بنفسه، وكيف يحميها من الموت الذي باغت أقواها!!

هذه الصورة مشابهة لما أصاب البشرية عندما داهمها الكورونا، وهي في ذروة نواياها العدوانية وتصارعاتها الجانحة نحو مزيد من الخراب والدمار، وسفك الدماء.

فالعدوان يُعمي الأبصار ويحدد الرؤية ويضعها في نفقية ضيقة، لا تسمح لها بوعي محيطها والأخطار الفاعلة فيه، والمتأهبة للإنطلاق والإستهداف والتمكن من حياة البشر، وبما أن البشرية تتحكم بسلوكها العدوانية، فأنها ستبقى قاصرة عن تحديد عدوها الحقيقي، وستنحرف بتفاعلاتها نحو أعداء تختلقهم أو تتوهمهم، فتهدر طاقاتها وقدراتها، حتى يأتيها الوعيد وقد تحوّلت إلى هيكل من غضب.

وعليه فأن طاقات التقدم يجعلها العدوان آلات تأخر وخراب، ويزعزع أركان عروشها ومقاماتها الفارهة، وهذا ما يحصل على مر العصور والأزمان، فالقوى تصعد وتهبط، والقدرات تنمو وتخبو، وغائلات الدهور متنوعة ومتعددة، وهي محكومة بقوانين لا خلاص منها، وعليها جميعها أن تدرك أن عامل الزمن لوحده هو الفارق، فقد يطول أو يقصر حبل الإقتدار، لكنها جميعا في متوالية إنهيارية دوّارة خلاصتها:

"ما طار طير وارتفع....إلا كما طار وقع"!!

فهل لديكم مَن إرتفع وما وقع؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم