أقلام حرة

علي علي: الرادع الأمثل

القوة.. مفردة رافقت حياة بني آدم منذ بدء نشأتهم، فقد كانت بدءًا لاستحصال لقمة عيشهم، حيث يصطادون الحيوانات ليقتاتوا عليها، ثم اضطرتهم سبل العيش الى تطوير أدوات لتمكين القوة من أداء المطلوب، فكان نتاج ذلك الرمح والسهم للوصول الى مالم تطله إيديهم من فرائسهم عن كثب، وحين وجد بنو آدم أخطار الضواري تحيطهم، ابتكروا آلات الدفاع عن أنفسهم وطورها لدرء مخاطر الضواري عنهم. وهكذا تحضهم الحياة وتحثهم متطلباتها على اختراع الجديد والناجع من وسائل الدفاع عن النفس. وحين استوطن الإنسان الأرض وصارت جزءًا من كيانه ازداد تمسكه بها، لما تعنيه له من ديمومة في حياته، فلم يجد بدا من الدفاع عن وطنه وأرضه، حتى غدا يستقتل من أجل الحفاظ عليهما، كما تفنن في تنويع سلاحه وأصنافه، وفقا لتنوع أسلحة عدوه ومكامن قوته. وقطعا لم يكن هذا إلا بعد إدراكه أن وطنه يعني وجوده، فبه يكون ومن دونه لا يكون.

  ومع تناسل بني آدم تناسل الخير والخيرون، مقابل هذا تناسل وتناسب وتصاهر الشر والشريرون في مناكب الأرض، فبدت موازينها معتدلة تارة بفعل بسط الخيرين أفكارهم، ومقلوبة تارات أخرى بفعل الشريرين ومعتقداتهم ومكائدهم وغدرهم، وبين هذا وذاك نشأت دول ودالت أخرى. من بين هذه الدول أرض وادي الرافدين التي شهدت منذ الأزل تكالب الشريرين عليها، مع أن أغلب الخيرين والصديقين والأولياء والأتقياء عاشوا فوق أرضها، وكثير منهم وارى جثمانهم ترابها. فأرض مثل هذه من الواجب الحفاظ على إرثها الحضاري، وهذا لن يتم إلا بتوفير حالة التمكن والقدرة والسيطرة والهيمنة لدى حاكميها ومن يتقلدون مراكز السلطات العليا فيها، لاسيما المسؤولون عن حمايتها، وتزداد الحاجة الى القوة أكثر من هذا، عندما يطفو على السطح نفر ضال ليس لاعوجاجه تقويم بالنصح والإرشاد، فتغدو القوة بكل اتجاهاتها ودرجاتها، الوسيلة الوحيدة في التعامل مع انتهازيين ونفعيين ومفسدين، لا يملكون من الشرف والقيم والأخلاق والمبادئ حدا، أكثر مما موجود في الضباع والثعالب، لما تحمله من صفات المكر والغدر والخديعة.

  اليوم يشهد عراقنا الفدرالي الديمقراطي، عراق القانون فوق الجميع، عراق النزاهة، عراق القضاء المستقل، عراق القيادات والحكومات المنتخبة، ظاهرة مدمرة لأي نظام في أية دولة على الكرة الأرضية، مهما كثرت أسلحتها وبلغت عدتها وعددها، ظاهرة ليس بالهين مجابهتها والتصدي لها، إذ هي تأتي على أخضر البلاد ويابسها، تلك هي ظاهرة الفساد.

  ومعلوم أن للفساد وجهين، يكاد أحدهما يسبق الآخر في شدة الضرر والزوبعة التي يتركها خلفه، وهنا يأتي دور ما ابتدأت به مقالي هذا، القوة ثم القوة ثم القوة، فبها الحل الناجع والموقف الرادع لقبر الفساد في مهده، وإنهاء فروعه وأصوله وجذوره نهائيا.

  أما ردود الأفعال إزاء الفساد فهي أشبه بدغدغة المفسدين، وفسح الطريق أمامهم مشرعا على أوسع أبوابه، لممارسة ما يحلو لهم من أفعال مشبوهة ماليا وإداريا، الأولى تعود لهم بالربح الوافر وتملأ جيوبهم وعيونهم الفارغة، أما الثانية فيتممون بها خدمة أطراف وجهات فئوية، تتمثل بأحزاب وشخصيات ودول، توفر لهم بدورها ديمومة التحكم بكرسي المنصب، والتمتع بالسحت الذي يرمي في بطونهم نارا.

***

علي علي

في المثقف اليوم