أقلام حرة

العراق أمام العرض الأمريكي بحوار شامل

نقلت وسائل عراقية وعربية بيانا لوزارة الخارجية العراقية يفيد بتقديم الولايات المتحدة إلى العراق مقترحا أو عرضا بالدخول في حوار شامل يستند إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي الذي كانت الولايات المتحدة قد عقدته مع الجانب العراقي في عام  2008. ويتضمن العرض حسبما جاء بالآخبار نقاشا حول أطر التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية. ونقل التلفزيون العراقي صورا لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي وهو يلتقي بالسفير الأمريكي بالعراق للحديث حول الأمر وأفاد بأن عبد المهدي قد رحب بهذه المبادرة.

وكما يعرف المهتمون بالشأن السياسي فإن اتفاقية الإطارالقديمة قد تلقت ضربة مميتة عشية هجمة داعش واحتلالها مساحات واسعة من العراق دون أن تقوم الولايات المتحدة بأي تحرك لصد الهجوم كما ينص على ذلك الاتفاق والذي من بنودة أن الولايات المتحدة ستقدم الدعم للعراق في حال تعرضه للهجوم من طرف خارجي.  بل استغلت هجوم داعش لإعادة نشر قواتها العسكرية في العراق تحت مظلة الدعم الجوي والتدريب للقوات العراقية. وتقول الولايات المتحدة ان ذلك تم باتفاق مع الحكومة العراقية اي حكومة حيدر العبادي في ذلك الوقت.

أما على الجانب الاقتصادي فلم يلمس العراق أو المواطن العراقي اي مظهر من مظاهر البناء الاقتصادي الذي يمكن أن ينسب للشركات الأمريكية التي ركزت اهتمامها على قطاع النفط والطاقة  واظهرت رغبة الجامحة في الاستئثار بأكبر حصة ممكنة من عقود توليد الكهرباء إلى درجة الضغط العلني المباشر كما فعل وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو الذي قدم إلى بغداد ليطلب من عبد المهدي ان يحال العقد الذي وقع مع شركة سايمنز الألمانية إلى شركة جنرال ألكترك.

ومن هذا الجانب فإن الحكومة العراقية حسنا فعلت عندما لم تستجب للضغط الأمريكي لأن تجربة فنزويلا بهذا الخصوص تعطي درسا مهما إذ أن الشركات الأمريكية التي كانت تسيطر على قطاع الطاقة فيه  قد عمدت في لحظة تصاعد الصراع مع الحكومة الفنزويلية إلى إطفاء شبكة الكهرباء عن كامل البلاد إلكترونيا وعن بعد وقد شمل القطع كافة مرافق الحياة  فاستنجدت الحكومة الفنزويلية بخبراء من روسيا وكوبا ليعيدوا تشغيل الشبكة فيما يبدو لي من خلال عملية الكترونية معقدة.

وعلى المستوى الثقافي فلا أثر للثقافة الغربية غير تفشي ظاهرة السلوك الشبابي المنفلت و الاستهلاك المفرط وقصات الشعر الغريبة التي ابتلينا برؤيتها حتى لدى مقدمي برامج المحطات الفضائية والتي لم نر مثلها لدى مقدمي البرامج الغربيين ورأيناه بشكل خاص بين لاعبي كرة القدم في الأندية المعروفة، والبناطيل المثقوبة والضيقة. غير ذلك نقلت لنا بعض الفضائيات العراقية فيديوهات مأخوذه عن حفل للمثليين بحضور السفير البريطاني وهو ما يثير الدهشة حيث لم يعرف العراقيون عن البريطانيين ايام احتلالهم للعراق منذ بداية القرن العشرين وحتى منتصفه ان جزءا من "سياستهم الثقافية" هو تشجع المظاهر المنافية للتقاليد العراقية ولكن يبدون أنهم قرروا أن يجربوا مع العراقيين لييرالية منفلتة عسى أن تنفع مع العراقي الذي لا تنفع معه الطرق التقليدية.

ويخيل لي ان الولايات المتحدة، تحت تاثير الظروف التي يمر بها العالم بفعل انتشار وباء كورونا واثره في خلخلة التوازنات الدولية وبروز الصين وروسيا، وحتى كوبا المحاصرة منذ الخمسينات، كلاعبين مؤثرين من خلال العون الذي قدموه لدول غربية عانت من الوباء كانت حتى البارحة تتبجح بسبقها التكنولوجي لم تجد بحلفاءها الأقربين عونا في لها في محنتها، قد وجدت نفسها مضطرة إلى إجراء مراجعة سريعة لعلاقاتها الدولية ونفوذها الذي يتعرض للتآكل السريع. وقد تحدتث مجلة "فورن أفيرز" مؤخرا عن بروز الصين كقوة قائدة للعالم  بدلا من الولايات المتحدة.

واجد من الطبيعي أن يكون العراق هو أحد المحطات المهمة في الاهتمام الأمريكي في عملية مراجعة السياسة الخارجية الخاصة بالشرق الأوسط لأن السياسة التقليدية المتبعة من قبلها حيال العراق تمر بلحظة حرجة إثر تبني البرلمان العراقي قرارا باخراج القوات الأمريكية تبعه تصريحات من  بعض القوى المسلحة باحتمال لجوءها إلى الخيار العسكري لإخراج القوات الأمريكية إذا ما رفضت الانصياع لقرار البرلمان.ورغم التهديد الأمريكي باللجوء إلى ضربات موجعة ضد من أسمتهم وكلاء إيران فإن خيارها هذا ينطوي على مخاطر جمة على وجودها وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى تحويل العراق إلى ساحة حرب جديدة وقد ينتهي بتفككه. إن تفكك العراق يمكن أن يمثل تهديدا مؤرقا لحلفاءها الخليجيين ويقوي مركز إيران في المنطقة بدلا من أن يضعفه كما تريد الولايات المتحدة وتعمل على تحقيقه. و لاشك أن التهديد بالسماح لإقليم كردستان بالتحول إلى دولة أو قيام كيان في المنطقة الغربية من أجل إبقاء التواجد العسكري لن يمنح الولاياتت المتحدة أية افضلية ضاغطة على الطرف العراقي بل من شأن ذلك أن يصعب على الولايات المتحدة بل قد يفقدها السيطرة على الوضع في العراق ومحيطه ذلك ان إيران وتركيا سوف يدخلان كطرفين مباشرين في الصراع إذا ما سمحت للوضع بالسير بهذا الاتجاه. وبعبارة موجزة تستطيع الولايات المتحدة  إدارة صراع مرير مع العراق خاصة من حيث قدرتها على  إلحاق ضرر جسيم باقتصاده الريعي غير المنتج لكنها في الظرف الدولي الحالي ليست بحاجة لمزيد من الأعداء.

ومن جانب العراق أعتقد أن العرض الأمريكي يمثل فرصة  لوضع العلاقة الأمريكية العراقية في إطار جديد يزيل عنها التوتر الناشئ عن تضارب المصالح على المستوى الإقليمي وانعكاس هذه المصالح على الوضع الداخلي العراقي. وربما يكون المحور المتعلق بإيران وما تسميه الولايات المتحدة "وكلاء إيران" أهم قضية بالنسبة إليها بينما لا يرى الجانب العراقي أن هناك مشكلة اسمها إيران أو كلاء إيران وأن القلق الأمريكي من هذه السمألة مبالغ به وينطوي على نوايا ليست حسنة ليس أقلها تبرير استمرار وجودها العسكري في العراق. ويمكن للعراق أن يصر على موقفه من أن الجوار الجغرافي والتاريخ والمصالح المشتركة مع دول الجوار يحتم على العراق أن تكون علاقته طيبة مع إيران وأن الأمر ينطبق على تركيا حيث تجارة العراق معها تفوق من حيث القيمة حجم التجارة مع إيران وأن العلاقات الطيبة مع هذا البلد قد تواصلت وازدادت وثوقا رغم أن تركيا قد تدخلت بشكل سافر في الشأن العراقي خلال سنوات التوتر الطائفي لحد أنها أوت ووفرت  الحماية لإشخاص مطلوبين للقضاء العراقي. وفيما يخص الحرب على الإرهاب كانت إيران البلد الوحيد من دول الجوار التي هبت لمساعدة  العراق.

أما بالنسبة للفصائل المسلحة فالموقف الحكومي العراقي لا يتوقع له أن يحيد عن الطرح الذي يفيد بأن هذه القوى تخضع  لسلطة الدولة وأنها وجودها ينظمة القانون وأنها أصبحت جزءا من القوات المسلحة وأن التهديدات التي تصدر من بعضها ضد الوجود العسكري الأمريكي يمكن للحكومة التعامل معه وأن هذه الفصائل لا تمثل تهديدا للأمن الداخلي أو دول الجوار (بالطبع فإنه عند الحديث عن "دول الجوار"سوف يفترق بل يتضارب الطرح الأمريكي عن الطرح العراقي من حيث أن إسرائيل غيرمعنية بذلك بالنسبة للحكومة العراقية بينما هي أصل الموضوع بالنسبة للولايات المتحدة إضافة إلى مراعاتها المزاج السعودي طالما كان لهذه المراعاة  ثمن نقدي).

إن استجابة العراق لطلب الولايات المتحدة للحوار كما عبر عنه عبد المهدي لا بد وأن يسبقه أو يرافقه تساؤلات حول الأهداف الحقيقية من طلب الحوار. وعدا توقع طرح الموضوعات المتعلقة بالعلاقة مع إيران وبعض فصائل الحشد  فإن بعض هذا النوايا وربما جلها يصعب معرفتها قبل بدء الحوار. وهناك الكثير من دول العالم التي تملك الخبرة بأساليب "الحوار" الأمريكية وليس اقلها إيران. ومن المعروف أن الضغط والتهديد يحتلان مرتبة متقدمة في تكتيتكات الحوار الأمريكية وهذه تنطلق من عقدة التفوق المتأصلة في النفسية الرسمية الأمريكية وهم يستخدمون هذه الوسائل مع دول قوية فما بالك العراق الذي لا تجد فيه اثنين يتفقان على رأي.

ومن  التكتيكات الأمريكية الأخرى المعروفة والتي يمكن تصنيفها ضمن التكتيكات الناعمة في مظهرها ولكنها مؤلمة في نهاياتها هي المراوغة والتمطيط من أجل الإرجاء أو التأجيل وكسب الوقت. هنا نحن نتحدث عن بلد يتواجد عسكريا على أرض لا يريد الخروج منها ويحاول أن يضفي على وجوده نوعا من المشروعية الداخلية لذلك لا بد له أن يستخدم وسائل وحيل لا تخطر على بال المفاوض العراقي الذي أفترض أن خبرته بشأن دولة عظمى محدود أو ضعيف في أحسن الأحوال. نعم يفترض بالمفاوض العراقي أن يستمد من تجربة التفاوض مع الأمريكي على اتفاق الخروج الذي وقع في 2008 وتم تنفيذه في 2011 والذي انتهى بخروج كل القوات الأمريكية ولكني أعتقد أن تلك كانت أسهل مرة في التاريخ العسكري الأمريكي يبدي فيه الأمريكي تساهلا ويوقع اتفاقا للخروج بهذه السرعة. و لا شك ان عاملين مهمين قد ساعدا الطرف العراقي ويتمثل الأول في أن الهجمات التي كانت تتعرض لها القوات الأمريكية كانت مؤلمة وأن قدرتها على  الرد على عدو غير مرئي كانت ضعيفة ويدفع ثمنها المدنيون أكثر من المهاجمين الأمر الذي وضع القوات الأمريكية في وضع حرج امام الشعب العراقي وامام الشعب الأمريكي الذي كان يشاهد جثث الجنود الأمريكيين العائدة للوطن. والعامل الثاني هو إصرار رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي على خروج القوات الأمريكية ورفضه منح الحصانة لمن يتبقى منها. أما بخصوص التكلفة المادية لهذا الوجود فلا أعتقد أنها كانت تحتل موقعا متقدما لدى مسؤولي البنتاغون طالما كانت الأموال تأتي من جيوب دافعي الضرائب وأن المستفيد الأكبر من هذه الأموال عشرات الشركات الأمريكية التي تخدم المجهود الحربي.

ويمكن للطرف العراقي الجاد أن يستعين وهو يفاوض بخبرة دول عديدة كانت لها خلافات مع الولايات المتحدة ونحن نتحدث هنا عن دول خارج المنظومة الغربية (دول الناتو) مثل روسيا وإيران والصين. وإذا ما أردنا الحديث عن دول عربية لها خبرة في هذا الجانب فيمكننا الحديث هنا عن الفلسطيني بالدرجة الأولى. ويملك الطرف الفلسطيني خبرة واسعة في اساليب "الحوار" الإسرائيلية وهذه مستوحاة من المدرسة الأنكلوسكسونية. و هذا القول لا ينفي أن دولا عربية اخرى تملك خبرة في الحوار مع  الولايات المتحدة  ولكني استبعدتها لأن معظمها (ربما عدا الجزائر وسوريا التي يتسم موقفهما بالشجاعة) أما لم تواجه مشاكل مع الولايات المتحدة أو أنها حاورت الولايات المتحدة من موقف الطائع المستجيب وهذه هي ليست حالة العراق رغم ضعفه الناتج عن ضعف جبهته  الداخلية.

واستندا إلى التجربة الفلسطينية والتي عبرت عن نفسها من خلال تصريحات المسؤولين الفلسطينيين الذين كانوا "يحاورون" الإسرائيلي أو هم على صلة مباشرة بمن كانوا يحاورونه وكذلك تصريحات مسؤولين إسرائيلين أبرزهم رئيس الوزراء الراحل إسحاق شامير فإن "التكتيك الاستراتيجي" الذي. ( dragging one’s heels) “ كان الإسرائيليون يتبعونه  هو "جرجرة الأقدام ا    

وفي نفس الوقت العمل على تغيير الواقع على الأرض أي مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المزيد من المستوطنات بحيث أن الحديث عن دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في 1967 يصبح مع مرور الزمن لا معنى له طالما كانت المستوطنات الاسرائيلية قديمها وحديثها ليست موضوعا للتفاوض. أقول ذلك ولا يخفى علي أن وضع الفلسطيني ليس كوضع العراقي على الأرض بل يختلف عنه جذريا فالإسرائيلي يحتل أرضا ملاصقة له لا يواجه معها مشاكل لوجستية في نقل القوة وتحريكها وان توازن القوة بينه وبين الفلسطيني يميل بشكل ساحق لصالحه عدا أنه يعتبرجزءا كبيرا من الأراضي التي يحتلها هي أراض إسرائيلية وانه إنما يفاوض الفلسطينيي على طريقة للتعايش يكون فيها الفلسطيني خاضعا بشكل كامل لسلطته. لذلك فإن المقارنة تتعلق فقط باسترتيجية التفاوض من أجل التأجيل وفي نفس الوقت خلق وقائع على الأرض.

أما الأمريكي فهو بعيد كثيرا عن الأرض العراقية الأمر الذي يجعل الجانب اللوجستي كثير التعقيد رغم أن العراق محاط بدول عربية للأمريكي فيها وجود دائم وأن مخازن سلاحها الأمريكي الصنع خاصة السعودية وقطر والبحرين تحت  تصرفه هذا عدا وجوده البحري الكبير في مياه الخليج.

كيف يمكن عكس هذا المبدأ على التجربة العراقية؟  من المتوقع أن يتبع الأمريكي إسلوب تمديد اجل التفاوض أو الاتفاق على القضايا المطروحة لأطول فترة ممكنة لتمديد أجل بقاءه.  وهنا يبرز السؤال: أي واقع على الأرض سوف يحاول خلقه  أثناء فترة التفاوض؟ بالتأكيد أنه واقع لا يشبة بشئ الواقع الذي عمل الإسرائيلي على تغييره أي الواقع الديموغرافي (الاستطيان) وفي نظري أنه ربما يوجه نشاطا مركزا على مسألتين. الأولى هو الجهد الاستخباراتي لجمع أكبر قدر من المعلومات حول الفصائل المسلحة التي يعتبرها تشكل خطرا عليه وكذلك معلومات عن قادتها، تحركاتهم وعلاقاتهم ولك ما له صلة بذلك مستخدما علاقاته وشبكته التي تعمل على الأرض. الثانية هي تقليص عدد المعسكرات  (قال عبد المهدي مؤخرا أنه لم يبق سوى ثلاث معسكرات) وتحصين  المتبقي والتي لا ينوي الانسحاب منها قريبا وبالأخص في منطقة كردستان وتركيز القوة فيها.

وعلى المستوى الاجتماعي إذا صح القول ربما يعمد الأمريكي إلى سياسة مد شبكة علاقاته في المناطق السنية ليخلق  رأيا عاما يتقبل وجوده مع مواصلة سياسته التقليدية في شراء أو ترهيب الوجوه البارزة في هذه المناطق.

غير أن ما قلته أعلاه ينطبق على أمريكا التقليدية التي عرفها العالم ولكن هناك من يعتقد أن امريكا (ومعها  العالم الغربي)  قبل "كورونا" لن تكون أمريكا نفسها بعد "كورونا" وأن الظروف المستجدة سوف تجبرها على اتباع مقاربة جديدة في الداخل والخارج. على مستوى الداخل يتوقع بعض الخبراء (الروس من أمثال البروفسور فالنتين كاتاسانوف استاذ العلاقات الدولية في جامعة موسكو) أن "أمريكا الصناعية" التي تمثل الاقتصاد الحقيقي وممثلها الرئيس ترامب ربما تشهد صراعا مع "أمريكا المالية" الطفيلية (البنوك) وان مستقبل امريكا كقوة عالمية قائدة سوف تحدد على ضوء نتيجة هذا الصراع. وكان الرئيس ترامب قال عشية الانتخابات الرئاسية التي انتهت بفوزه أن على الولايات المتحدة ان تستعيد موقعها كاكبر قوة صناعية في العالم ثم دعى وهو في سدة الرئاسة  الشركات الأمريكية التي نقلت مراكز عملياتها إلى الصين إلى العودة لتتمركز داخل الولايات المتحدة.

ويمكنني بناء على هذا الرأي الصادر عن مختصين كبار أن أستنتج أنه من أجل أن تفوز "امريكا الصناعية" عليها أن لا تترك نفسها تستنزف في صراعات ثانوية مثل صراعها في العراق وأفغانستان وهما بلدان لا يشكلان بوضعهما الحالي تهديدا للمصالح الأمريكية حتى على المدى المتوسط ومن الأفضل اتباع سياسة لينة معهما لأن الصين قد مدت خيوطا في العراق تتقوى مع كل يوم وهي على أبواب أفغانستان وقد استثمرت أموالا كبيرة في الكشف عن الثروات المعدنية في هذا البلد رغم أنه يعيش حربا.  وحسب أنتوني لوينشتان في كتابه "رأسمالية الكوارث" (سلسلة عالم المعرفة الصادرة في الكويت) فإن مجموعة شركة المعادن الصينية (أم.سي.سي) قد اشترت عام 2008 حقوقا للتنقيب في منجم ضخم للنحاس في "مس عينك" بمحافظة لوكار.

إن ماقلته أعلاه يعكس الرأي المتفائل الذي يعتقد أنه من الممكن-على ضوء تلك المقومات-  التوصل إلى صيغة متكافئة مع الولايات المتحدة ترضي الطرف العراقي وتجنبه حصول مواجهة مع الفصائل المسلحة.

غير أن الموقف الأمريكي من الحشد والذي يتمثل بمقولة "أما نحن أو هم" ينم عن غطرسة لا يسندها منطق. فالحشد عراقي فرضت وجوده ظروف ساعد الأمريكي نفسه على خلقها وفيما يواصل الأمريكي القول أن التهديد الذي تمثله داعش لم ينته بعد فلماذا يكون الحشد الذي هو نقيض داعش والذي أسهم بدور حاسم في هزيمته  يجب أن يذهب؟إن معادلة "يذهب الحشد وتبقى القوات الأمريكية" معادلة لا تستوي.

لذلك فإن الوضع المثالي بالنسبة للحكومة العراقية من اجل أن تغض النظر عن الوجود العسكري الأمريكي  هو أن يتوقف الأمريكي عن شيطنة بعض فصائل الحشد وأن يترك الحكومة العراقية تتعامل معها بالشكل الذي لا يؤدي إلى المواجهة (قال أحد القادة العسكريين الأمريكيين الكبار مؤخرا أن على العراق أن يتعهد بحماية القوات الأمريكية إذا ما اراد منها البقاء).

وبعد قولنا هذا تبقى قضية تحوم كالغراب فوق رأس الحكومة التي ستدخل في حوار مع الأمريكي وهي: من ذا الذي يضمن التزام الأمريكي بما يوقع عليه من اتفاقات وتاريخه القريب يقول أن سلة مهملات البيت الأبيض مليئة بالاتفاقات المنقوضة؟

 (افادت آخر الأخبار بأن وزيري الدفاع ونائب الرئيس الأمريكيان قد وصلا إلى قاعدة الأسد وأن الرئيس صالح قد ذهب إلى هناك للقاءهما بينما نفى المكتب الإعلامي للرئيس أن زيارة الرئيس للأنبار لها علاقة بزيارة المسؤولين الأمركيين..)

لم يحدث أن زار مسؤول إيراني العراق دون علم الحكومة العراقية ودون أن تتناول وسائل الإعلام زيارته ولقاءاته بالصورة فماذا يقول الذين لا شغل لهم سوى الحديث عن إيران بشأن زايارات المسؤولين الأمريكيين المتكررة دون علم الحكومة؟

! لم يذكر بيان الرئاسة لماذا ذهب الرئيس للأنبار إذا لم يكن السبب لقاء المسؤولين الأمريكيين

لقد درسنا ونحن يافعين أن في الشعر العربي القديم هناك ما يسمى ب "الذم الذي يراد به المديح" ولم نسمع أن هناك "نفي يراد به التأكيد"!

 

ثامر حميد

 

 

 

في المثقف اليوم