أقلام حرة

هل أخطأ إبن رشد؟!

صادق السامرائيلا يجوز الحكم على جهبذ بهذه القدرات العلمية والمعرفية التنويرية الثاقبة، التي سبقت عصره وما تلاه من عصور، وما يمتلكه من طاقات حضارية إنبعاثية تصلح لبناء صرح وجود متميز متطور بلا حدود.

فقد واجه منطلقات الغزالي بجرأة وشجاعة، وشكك في طروحاته الداعية إلى تجميد العقل، ورهنه بالماضيات ومنعه من وظيفة التفكير، ولديه منهجه الواضح الصريح الذي يدعو إلى إعمال العقل في النص الديني، أو التأويل، ولا إجماع مع التأويل، ولا سلطان على العقل إلا العقل، وغيرها من المنطلقات الفكرية الحضارية المطلقة.

وهو فقيه قرطبة وعالمها الأكبر البارع بالطب والفلسفة والعلوم الأخرى، والذي إتخذه السلاطين مستشارا مقربا إليهم لغزارة علمه وأفياض حكمته.

ولِما بلغه من علم ومعارف وجد فيما طرحه الغزالي، وهيمن به على عقل الأمة، الخطأ الذي سيزري بها إلى حضيض التداعيات، فنهض بصلابة وإقدام وتصدى له وفند طروحاته في كتابه " تهافت التهافت"، لكن ردة الفعل التي جاءت من الذين إستنقعوا في رؤى " تهافت الفلاسفة"، وما نجم عنه من مدارس وأعلام وجماعات، حوّلته من فقيه وعالم إلى كافر وزنديق يستوجب إنزال القصاص فيه.

وهنا توجد إشكالية في آلية الطرح، أي أنه أصاب فيما ذهب إليه ورآه، لكنه أخفق في كيفية طرحه والتصريح به، فكانت طروحاته قنابل فكرية مدوّية أرعبت كيان المعممين المتاجرين بالدين، من الذين يعتاشون على عطايا السلاطين في كل مكان وزمان.

فهو لم يطرح فكره بأسلوب تدريجي وتأهيلي، لكي لا يُحدِث الدويّ الذي أشاع الهلع في نفوس فقهاء عصره، وكأنه لا يعرف قيمة وتأثير ما يتناوله، وقدرتِه على خلق وجود حضاري جماهيري لا يُضاهى.

فما قام به كالذي يمتلك جواهر نادرة أظهرها للناس وألقاها عليهم، فأصابهم بالذهول والحيرة والإندهاش، فما وجدوا مخرجا مما أوصلهم إليه إلا بالتخلص منه.

قد لا يتفق الكثيرون مع هذا الإقتراب، لكنه مجرد قراءة من زاوية أخرى، لأن خسارة الأمة كانت عظيمة وجسيمة، لعدم فهمها وإستيعابها لرؤى إبن رشد التي أحيَت الغرب، ولا يزال العرب في قنوطهم وسباتهم وغفلتهم يعمهون، والنور بين أيديهم ولا يبصرون!!

فهل من عودة إلى نبراس النهى المبين؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم