أقلام حرة

هل أخطا إبن رشد؟!

صادق السامرائيالمهتم بهذا العالِم الجهبذ عليه أن يقرأه بموضوعية وحيادية، لكي يتبين له أسباب ما آل إليه حاله، ولماذا غاب دوره في حياة العرب والمسلمين.

فإبن رشد كغيره من العلماء والفقهاء، تكون العلوم وسيلته للجاه والتقرب من السلطان، فكان يحرص على أن يكون العلم في دائرة صغيرة.

فالسلوك الذي لم يتناوله الدارسون، أن الأحوال مضت وعلى مدى قرون في ثنائية تدميرية عجيبة، تسمى الخواص والعوام، فالخواص هم الذين يعلمون ويعرفون والمقربون إلى الكراسي، ومنها يغرفون.

والعوام هم الجهلة الرعاع القطيع الذي عليه أن يخنع للخواص ويستمع إليهم وينفذ أوامرهم، ومَن لا يفعل ذلك يُعتبر خارجا عن مسار الأمة وصراط الملة.

ولهذا فالتأريخ لا يخبرنا عن إنشاء مدارس لتدريس العلوم إلا فيما ندر، ويؤكد بأن العلماء العرب منطوون منزوون منعزلون عن العوام، لا يعلّمونهم ولا يثقفونهم، ولا يؤهلونهم للتفاعل مع ما يعرفون ويعلمون.

ومفهوم الخواص والعوام لا يزال فاعلا في الواقع، وإتخذ معاني طائفية، وفي عالم الثقافة والمعرفة هناك ما يُسمى بالنخبة، وهي تحوير أو تطوير لكلمة الخواص.

وإبن رشد لم يتخذ مسارا مغايرا لما هو قائم في زمانه، وما سعى لنشر علومه، وإقامة الحلقات التي يشرح فيها ما يعرفه ويتوصل إليه، ولهذا لا يوجد عنده تلاميذ ومتابعين، وإنما كتبَ كتبا ربما للسلاطين، وما يدل على ذلك أنه بدأ حياته المعرفية بشرح كتب أرسطو للسلطان الذي طلب منه ذلك، ورشحه للمهمة العالم إبن طفيل.

فكان يكتب للخواص، ولهذا أصابه ما أصاب العديد من العلماء قبله وبعده، لأنهم يحتكرون بضاعتهم، ولا ينشرون علومهم، لكي لا يفقدوا الجاه والمَقام، والتقرب من السلطان.

ومعظم الذين يتقربون للسلاطين بمعارفهم ينتهون إلى مصير مشؤوم.

فليس من الإنصاف تبرأة إبن رشد مما آل إليه، ونلقي بالتهمة فقط على الذين كانوا معه، وأفتوا بكفره وزندقته ونفيه وإحراق كتبه.

فهو لم يصنع خليفة من بعده، فحتى ولده أو ربما أولاده كانوا في جهل مما يعرفه ويكتبه، وهذا سلوك غريب يحتاج إلى نظر، فهو قد تتلمذ على يد والده، لكن الأخبار لا تشير إلى أنه إجتهد بتعليم أبتائه من علمه!!

فهل ما تقدم فيه نظر؟

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم