أقلام حرة

أقوال وعادات غير سليمة (1): وسخ الدنيا

محسن الاكرمينمن الوصف السلبي للغنى الفاحش، والبورجوازية الطفيلية حين يقال" خانزين بالفلوس" أو" غارقين في  زبالة ديال الفلوس". هو وصف يوحي بأن المال زينة حياة الدنيا الفانية، وما هو إلا متاع الغرور. ومن هذا الوصف الذي يحيلنا لزوما، أن في الغنى (شر) وفي الفقر (خير)، فيا فقراء (لا تتكلَّـموا إن الكــلام محـرَّمُ... ناموا ولا تستيقظـوا ما فــاز إلاَّ النُّـوَّمُ... وتأخَّروا عن كلِّ مـا يَقضي بـأن تتقدَّموا... ودَعُـوا التفهُّم جانبـاً فالخير ألاَّ تَفهـمـوا... وتَثبتُّوا في جـهـلكم فالشرُّ أن تتعلَّــموا... أما السياسة فاتـركوا أبـداً وإلاَّ تندمـوا ... إن السياسـة سـرُّها لو تعلمون مُطـلسَمُ.... وإذا أفَضْتم في المبـاح من الحديث فجَمْجِموا).

هو خطاب التمويه واللعب على أوتار توطين رنات الجهل والخضوع لواقع الفوارق الاجتماعية. هو اطمئنان فئة المقهورين والمهمشين بأن لهم حياة نعمة نيل حسنات الآخرة إذا ما حرموا منها في الدنيا الفانية، هو تهويل تعريف الرقي في السلم الاجتماعي بأنه نوع من المغامرة غير المحسوبة العواقب و يمكن أن تكون هناك صدف قاتلة. هو التحسيس بأن الأغنياء فقراء في الراحة النفسية، فقراء في الود الأسري الداخلي، فقراء في قيمة السعادة البسيطة، ولهم حتما مشاكل كبرى قد تؤدي إلى الإدمان الفاحش على ملذات عيش البذخ والترف الفرعوني. وقد يعيشون ضغطا وفزعا من الفقر، وفخاخا حياتية من نوعية حرب المال والمواقع. فيما الفقراء (والحمد لله بتقبيل اليد من الراحة نحو ظاهرها) فقد ينعمون بالسعادة والأمن الحياتي فلا أحد يتربص بهم، والحضن الأسري بلا ملاهي (التلفة)، وكذا استطاعة تدبير الحياة حتى بكفاف الحيلة واليد المشلولة، و تبقى الابتسامة والرضا بالقضاء والقدر دائما على محياهم بادية.

وقفت اليوم على رجل في (سويقة خضر عشوائية بحي هامشي) يلعن الفقر وعيش مد اليد في زمن "كورونا"، وصيام الصيام عن ملذات موائد حياة الأغنياء. لعن حتى صيغة انتظار (قفة رمضان) و(قفة التضامن) والتي يمكن تحمل المهانة وسوء التدبير، وتوزيع الصور في المواقع الاجتماعية للتشهير وتسويق صدقة اليد اليمنى علانية بالبرهان الملون (حتى لي ما بغاش قفة يتفرج). سمعت أحد المارة والذي يتحسس الأرض بعكاز هرمة، يرد عليه برفق، حين نهاه من انتفاضة رمضانية (ترمضينة) وبأن الأرزاق قدر محسوم  وموزع من السماء، وبرفق القول (الفقراء مأواهم الجنة) إن شاء الله وسيتمتعون بكل تمنياتهم الدنيوية، آش (باغي بوسخ الدنيا، يا ولدي راه فاني والعمل الصالح هو الدائم...)، فكان رد الرجل الحانق (مرمضن) على الوضع،وكذا من شدة (قطعة البلية) أسيدي (اعطيوني حقي من وسخ الدنيا الزوين، وفي الآخرة نتحاسب كاملين) ونتوزع بين ثلة اليمين وأصحاب الشمال.

 هو جدال نمطي لا أعتد به لعقم مخرجاته، ونحن لا نولي حديث عيش الكرامة قيمة حقيقة. لكن من الحكمة الوافية في ظل جائحة "كورونا" وصندوق الدعم الوطني، تبين أن ثلث المغاربة يعيشون فاقة الفقر المدقع، فيما الباقي فيتوزع بين الفئات المتوسطة السائرة في طريق التقلص،وأقلية صغيرة العدد تمتلك المال التراكمي والجاه المتحكمة في الرقاب والعباد، تبين أن معادلة الموازنة بين الفئات الشعبية الكلية وتقليص الفوارق الاجتماعية بات مطلبا يحتل رأس النموذج  التنموي ما بعد زمن "كورونا".

(رأي قابل للتعديل والتصويب)

 

محسن الأكرمين

 

في المثقف اليوم