أقلام حرة

الدين والدولة لا ينفصلان!!

صادق السامرائيلعبة الدين والدولة سارية في الواقع العربي منذ عشرات العقود، ولا تزال في ذروتها الخسرانية البائسة، وقد إنطلت على أجيالٍ وأجيال.

بينما التأريخ يوضّح بأن أول خطوات الحكم وتأسيس الدول كان يعتمد على الدين، فالحاكم لا يستطيع السيطرة على الناس دون توظيف الدين، وإكتساب كرسيه معاني إلهية أو سماوية لكي يكون أمره مطاع ونافذ.

وعلاقة الدين بالدولة تطورت وتبدلت على مرّ العصور، وفي معظمها كان الدين هو الحاكم والمهيمن والفاعل، والدولة بحكوماتها تؤدي ما يمليه عليها الدين بمؤسساته التي تنوعت وتمكنت من الهيمنة على المصير البشري في قارات الدنيا، وخصوصا الأوربية، التي فعلت فيها الكنيسة فعلها وأقدمت على ما أقدمت عليه من شنائع الإستبداد والطغيان الجائر.

وبعد قرون وقرون من الهيمنة الدينية نهضت شعوب وشعوب، تبحث عن الحرية اللازمة لصناعة الحياة بعيدا عن هذه الهيمنة المقيتة الخانقة، فانتصرت أوروبا على القِوى الدينية التي إستعبدتها لقرون، وانطلقت في مشوارها التفاعلي مع الحياة برؤية أخرى.

والمشكلة التي تواجهها البشرية أن الدين سبق جميع الإنطلاقات التي أوجدتها، فهو السبّاق لأنه يشكل حاجة بقائية تمنح الأمن والشعور بالمعنى والغاية، ويساهم في تدوير عجلة الحياة في طرقات المجهول الوجودي الذي واجهته البشرية ولا تزال.

فالبشرية لا يمكنها الإستغناء عن الدين لأن الغيب مجهول، والدين يمنح شعورا بوعي الغيب، وفهم خارطة مساراته ومنتهياته.

والبشرية أيضا لا يمكنها الإستغناء عن الدولة وقوانينها وأنظمتها، التي تضبط السلوك البشري وتمنع الفوضى والإستهتار بالحقوق.

وعليه فأن الدين والدولة حالتان قائمتان في البشر، وبدونهما تتعثر عجلات خطواته فوق التراب، فالبشر فيه دين أينما حلّ وإرتحل، لأن الدين قد إنسبك في ذاته ووجدانه ووعيه وأسهم في تشكيل مداركه.

وعندما يكون البشر صاحب منصب ودور في الدولة، فأنه كينونة ممتزجة بدين، ويتفاعل مع أيامه وفقا لما يعتمل فيه ويحدد رؤاه، وهذا ينطبق على أية دولة في الدنيا.

فلكل رئيس دولة دين، ولا يمكنه أن يصرّح بأنه بلا دين، وما يدين به يؤثر على ما يقرره ويراه، ومن هنا فأن لعبة الدين والدولة عليها أن تنتهي، وأن يتم التركيز على بناء الوطن والإنسان وإعطائه الفرصة التي يعبر فيها عن طاقاته ومحتواه.

أما العمل بغير ذلك فأنه يجعل الدين والدولة في محترب عظيم التداعيات والخسران، ويساهم في صناعة التطرف والبهتان.

فهل من صرخة "بَسْ"؟!!

 

د. صادق السامرائي

.........................

* بس : كفى

 

 

في المثقف اليوم