أقلام حرة

التعجيز العربي!!

صادق السامرائيعلى مدى القرن العشرين، تم إستحضار مفردات العجز واليأس والإحباط والهزيمة  والشعور بفقدان القيمة والدور والأهمية لكي يتحقق إستخدامها في اللغة، فأصبحت المفردات الشائعة سلبية تسعى إلى رهن الإنسان في زنزانة الخسران.

كما تم الإمعان في إستحضار الماضي وإشغال الناس به والإنتماء الإنفعالي إليه، حتى تحقق إلغاء الحاضر والمستقبل، فتحوّلت الحياة إلى فراغ ،  ومضت الأجيال في غيبوبة وخدر لم يحصل في تأريخ الشعوب.

حيث تحركت الدنيا ومضى نهر الوجود الإنساني يتدفق، والناس في بلادنا لا تريد أن ترى وتسمع وتتساءل، وإنما سكرى بخمور الماضي وتداعيات اليأس والهموم والويلات.

خسائر تتواكب وهزائم تتفاقم،  وطموحات تتآكل وأحلام تتضاءل.

وقد عملت الأحزاب والأنظمة السياسية على تعزيز وتأكيد دور المفردات السلبية في الحياة العربية، بعد أن آزرتها بالفعل الدامي والخسائر الفظيعة.

وتحقق التعميم الإحباطي وإستشرى الشعور بالدونية والعوق الحضاري والضعف، وصارت إسطوانة الفقر والجهل والأمية والمرض تعزف ألحانها على مسامع الأجيال بلا إنقطاع وتساؤل وتفكير.

ومضينا نؤمن بأننا شعوب جاهلة أمية مريضة في عقولها ونفوسها وأرواحها،  وهذه إفتراءات تم طحن الأجيال برحاها الثقيلة الساحقة!!

ومَن يقارن بين مجتمعاتنا والمجتمعات الأرقى في الأرض، يجد أن مصر كانت من المجتمعات المتحضرة في نهاية القرن التاسع عشر، وكذلك العراق في النصف الأول من القرن العشرين، بالقياس إلى أحوال المجتمعات آنذاك، فكانت مصر والعراق أكثر تقدما من الصين، مثلا، لكن الذي حصل أن الصين شقت طريقها في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، ومصر والعراق مضيتا في إبتكار المعوقات وخصوصا في العراق.

ومع دوامة البحث عن المصدات والموانع ، توالت الإندحارات وإستحضار آلياتها ومهاراتها والمستثمرين فيها من الساسة والمفكرين والمثقفين،  الذين أمعنوا بالترويج لفرية الأمية والجهل.

والواقع يؤكد أن العربي يعرف أكثر مما يعرفه الفرد في الدول المتقدمة عن أحوال الدنيا وما يدور فيها، فهو يحدثك عن أحداث الأرض ومجتمعاتها بدراية،  بينما لو سألت فردا من المجتمعات المتقدمة فستجده جاهلا بكل ما لا يرتبط بمصلحته.

وهذا  يشير إلى أن المشكلة ليست في الجهل والأمية، وإنما في عدم معرفة المصلحة الذاتية والجماعية والوطنية،  وذلك بسبب غياب النظام الوطني القادر على توجيه الطاقات والقدرات مثلما تحقق في الصين وغيرها من الدول، فالعيب ليس بالإنسان وإنما بالنظام العاجز على توجيهه وإستثمار حياته لتحقيق المصالح الوطنية.

فالدول المتقدمة فيها نسبة من الأمية والجهل والفقر، لكن الإنسان يعي مصلحته ومصلحة وطنه،  ونحن لا نعرف مصالحنا وتتغلب علينا الأنانية والإنفعالية، وغياب النظام الذي يوجه سلوكنا الوطني والإجتماعي.

وهذا معنى الجهل والأمية عندنا وليس غير ذلك،  فالإنسان يتعلم عن طريق وسائل الإعلام أكثر مما يتعلمه بالقراءة،  وهذا يعني أن القراءة لم تعد عائقا كبيرا أمام المعرفة، لكن المأزق الحقيقي، هو سيادة الإنفعالية وفقدان وعي المصالح وغياب النظام.

فلو إهتم كل إنسان بمصلحته  وإستثمر فيها لتحققت مصالح الوطن والأمة، ولو إمتلكنا النظام المناسب لإطلاق طاقاتنا لكنا أكثر تقدما ومعاصرة وقوة.

ولا بد من تسليط الأضواء على المفاهيم الإيجابية والإبتعاد عن نمطيات التفكير السلبي وببغاويات التداعي والخسران، التي عصفت في حياتنا على مدى القرن العشرين، ولا زالت ، ونحن في عالم الثورة المعرفية والإتصالية ويقظة الشباب الباسل.

فهل لنا أن نتقوّى لنكون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

في المثقف اليوم