أقلام حرة

الحجاج والدم!!

صادق السامرائيولد الحجاج في عام الجماعة 661 ميلادية، وأمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي، وكانت زوجة المغيرة بن شعبة فطلقها وتزوجها أبو الحجاج، ويبدو أنها كانت ذات مكانة وذكاء وثقافة.

وقتل الحجاج عبد الله بن الزبير عام 693 ميلادية  الذي كان خليفة منذ عام 683 ميلادية، أي أن عمره كان 32 سنة أو قبلها بقليل عندما إنطلق في مسيرته القيادية.

وأصبح واليا على الحجاز حتى عام  695، وتم نقله للعراق ليستقر في الكوفة، ويستمر لمدة عشرين سنة ، وتوفى سنة 714 ميلادية  وعمره 53 سنة، وبقي قبره مجهولا خوفا من نبشه!!

ويُروى أنه عندما وُلِد كان مخرجه مسدودا فتم شقه، وأبى الرضاعة فتم إطعامه دم جدي لبضعة أيام حتى تمكن من الرضاعة.

ويبدو أن إنسداد شرجه قد لعب دوره في ذلك، لأن أمعاءه كانت محشوة وتضغط على معدته فتمنعه من الرضاعة.

ويُروى أن وجهه كان يُلطخ بالدم في أول أيامه، وكأن حبّ الدماء قد إنغرز في أعماقه، فالبدم تمكن من الحياة وبالدم ربما سيصنع الحياة التي يريد.

لم أتمكن من العثور على بحوث ودراسات توضح علاقة الدم بالسلوك، لكن يمكن القول بأن طعم الدم ورائحته وتلطخه به لأيام في بداية أيامه، ربما تفاعلت مع الخلايا الدماغية وجعلتها تميل إلى الدموية وحب الدماء، لأنها تمنحها لذة الحياة وقوتها والقدرة على مواصلتها، فالبدم تمكن من الحياة، ولهذا فأن توجهاته ومداركه الجوهرية ذات صبغة دموية.

ولا يُعرف عنه إن كان دمويا في صباه وشبابه، لكن الشائع عنه أنه قد حفظ القرآن وعلمه للآخرين وتفقه باللغة العربية، فكان يعلمها، ومع ذلك فأنه يكنز تطلعات ذات قيمة قيادية، وربما يكون قد إتخذ موقفا ما ضد عبدالله بن الزبير الذي يُقال أن حكمه كان قاسيا ومتزمتا، فغادر الطائف إلى دمشق للعمل في الشرطة حتى أظهر قدرات قيادية وإنضباطية صارمة أهلته للقيادة والتقرب من الخليفة عبد الملك بن مروان.

فلكي نستطيع أن نرسم صورة واضحة لشخصيته نحتاج إلى بعض المعلومات عن طفولته وما كان يفعله، وهل كان عنيفا وعدوانيا ، أم أن القرآن قد ضبط عنفه ومنعه من التعبير الواضح عنه، كما أنه كان يقلد أباه في العمل الذي لا يتقاضى عليه أجرا حسب ما يُذكر.

ومن الواضح أن أباه كان ذكيا وصاحب جاه، وكذلك أمه تتمتع بذكاء وشخصية مؤثرة، وقد تزوجت من علية القوم في زمانها، فامتزج في تكوينه الدم والذكاء والعنف الكامن، والقدرة القيادية المتأصلة فيه بالوراثة، ويبدو أنه قد أخذ عن أمه الكثير من الخصال التي تحملها فأورثتها إياه.

وبتفاعل العناصر المتنوعة وتداخلها جعلت منه حالة ذات سلوكيات قاسية وتجسدت بوضوح وشدة بعد أن رأى فيها مصلحة للدين الذي يمثله الخليفة وفقا لرؤيته المتراكمة وكينونته المتعاظمة.

وعندما يرتبط الدين بالقوة فأن البشر يجد ما يسوّغ سلوكه مهما كان قاسيا، والحجاج كان صاحب حجة ويبرر قتله للآخرين، بأنه دفاعا عن الدين.

فهل كان الحجاج سليم السلوك أم يعاني من إضطرابات في الشخصية تمكّن من توظيفها والإنتقال بها إلى مدارات الجهادية والحفاظ على دولة الدين؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم