أقلام حرة

علي علي: رب يوم بكيت منه

ما منا أحد ينكر كم كانت صعبة -بل مستحيلة- الإطاحة بنظام صدام لو بقي الأمر على العراقيين وحدهم، وبدا هذا واضحا عقب الانتفاضة الشعبانية عام 1991 يوم صار سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى من محافظات العراق جميعها، لولا إسعاف قوى الغرب صدام وفتح الأضواء الخضر له على الاتجاهات الأربعة، مامكنه من اتباع سياسة القمع الدموي التي فتكت بالثائرين ضد النظام آنذاك، والمطالبين بنهاية جثومه على صدور العراقيين، بعد أن انزلق البلد على يده شر منزلق، وضاع كثير من حقوق الشعب تحت أنقاض الحروب والسياسات الهوجاء التي مارسها ضد فئات البلد وشرائحه كافة.

والذي حدث هو عكس ما تشتهي السفن والسفانة تماما، فقد بسط هذا الشبح جناحه المرعب على مدن الوسط والجنوب، ومارس على سكانها كل مايمتلك من وسائل الانتقام، فأفرغ جام غضبه على المواطنين مستغلا الحصار يدا طويلة، وقد ضمها الى باقي أياديه الضاربة المتمثلة بأزلامه وحزبه، فغاب خلف قضبان السجون من غاب وزهقت أرواح بعضهم، ولم يجد بعض آخر من الأحرار بدا من الهجرة خارج أرض الوطن للخلاص بـ (العزيزة)، ولم يتغير الحال إلا الى الأسوأ حتى جاء عام له أسماء عدة، فمنا من أسماه عام التحرير، وآخرون أسموه عام الاحتلال، وكذلك عام السقوط، وعام الغزو، وهو في كل الأحوال تحقق فيه حلم واحد هو الخلاص من الصنم، وهذا بحد ذاته غاية المنى والطلب. ولكن الذي حدث بعد ذلك كان أكثر من مهول وأغرب من العجائب والغرائب، وقد هون العراقيون على أنفسهم وطأة الأحداث بإلقاء اللائمة في سوء ماحصل بداية الأمر، على طريقة الإدارة سيئة الصيت التي أنشأها بول برايمر حينها.

ولكن الأمر لم يقف على هذا الرجل لينزاح بانزياحه، فقد كان لمن أخلفه ومن تصدر عتبات المراكز القيادية في البلد شر إدارة، ولم يفلح أحد من مسؤولينا بتجاوز المحن التي صادفت البلاد، بل كان الأمر أكثر سوءا، لاسيما أن الهادمين أكثر من البنائين كما قيل سابقا:

لو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى

فكيف ببان خلفه ألف هادم

وهذا الحال مازال قائما رغم العقدين اللذين مرا على ذاك العام متعدد الأسماء، ويالخيبة العراقيين حين يرون الحال أسوأ بفعل الهادمين يوما بعد آخر، رغم حجم أملهم بمن يترأسهم، ورغم ظنهم بان القفز فوق العقبات يسير على يديه بانسيابية، ولكن يبدو ان العراقيين قد قاربوا الى حد ما وصف الشاعر في بيتيه:

عجبا للزمان في حالتيه

وبلاء ذهبت منه إليه

رب يوم بكيت منه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

وللعراقيين في القادم من الأيام خفايا من ساستهم ومبكيهم، ومن الذين يتبوأون مناصب عليا في مجالس الدولة، والذي يقفون على نهج الأولين بامتياز.

***

علي علي

في المثقف اليوم