أقلام حرة

قفا نبكي.. كفى نبكي!!

صادق السامرائيآلية التفكير العربي بأسرها يمكن إختصارها بكلمتين، والأدلة على ذلك متواصلة متراكمة ولا تحصى، وهي في ذروة تدفقها وتماديها بالتعبير عن أساليب "قفا نبكي"!!

وهذه العلة التفكيرية المترجمة بالسلوك أذهبت العقل وأسهمت في صناعة الواقع المرير والخطير الذي تواجهه المجتمعات العربية في أي مكان تحل فيه.

كما أنها تمثل العلامة الفارقة ما بين العقل العربي وعقول الدنيا الأخرى.

فعلى سبيل المثال، عندما إنكمش الإقتصاد الأمريكي بسبب السياسات المنتهجة في الحكومات السابقة، لم يقف الرئيس الأمريكي المنتخب (أوباما في حينها) متباكيا نائحا وملقيا باللائمة على سابقه، وإنما شمّر ساعديه وعقد العزم على المعالجة والإنطلاق إلى آفاق جديدة، ونجح في ذلك وما تذرّع يوما بما جرى في العهد الذي سبقه.

وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية لم تنوح وتبكي على نفسها وتلقي باللائمة على الحزب النازي وقادته، وإنما إنطلقت في مشاريعها الحضارية وتجاوزت تلك المرحلة بعد بضعة شنوات، وها هي اليوم في قمة قوتها الإقتصادية والأخلاقية والسياسية.

وكذلك الصين لم تقف باكية نائحة على فشل ثورتها الثقافية، وإلقاء اللوم على هذا أو ذاك من قادة الحزب الشيوعي، وإنما قررت أن تستثمر في طاقاتها وتحقق أفضل التعبير عن إرادتها.

وروسيا فعلت ذات الشيئ، فما بقيت تتباكى على إنهيار الإتحاد السوفياتي الذي كانت سيدته، وإنما إستجمعت قدراتها وإستثمرتها في ترتيب أوضاعها وإستعادة دورها ومجدها المعاصر.

والأمثلة كثيرة ومتنوعة، إلا عند العرب، فلا تجد مثالا واحدا يخرج من صندوق النواح واللطم، وذرف الدموع على ما مضى وما إنقضى أبدا!!

ففي العراق مثلا، لا تزال الكراسي تبرر عجزها بسبب النظام السابق، وما تساءلت عما أنجزته طيلة فترة وجودها في السلطة، بل أن الكثيرين لايزالون يتباكون ويتناوحون على أن سبب ما يتحقق اليوم هو ما جرى قبل عدة قرون، وكأن الحياة جامدة والبشر أحجار لا تؤثر بها عوامل التعرية.

وما أن تجالس جمعا من الأخوة العرب حتى تندلق آليات هذا التفكير البكائي النواحي المستطير، الذي يفسر  ما يجري في الحاضر بما جرى قبل مئات السنين، وتبقى منذهلا متعجبا ومندهشا بلا قدرة على تغيير آلية التفكير وإخراج الجمع من خنادق الماضوية وحُفَر الغابرات.

فماذا يُرتجي من مجتمعات منحبسة بآلية تفكير فتاكة تستهدف سحقها وتدمير وجودها وخلعها من واقعها وحشرها في ظلمات الباليات.

ومن المؤلم أن العقول المتعلمة والمتخصصة تعجز عن التحرر من قبضة التفكير البكائي النواحي اللطّام الملامح والمميزات.

ولن تحقق الأمة إنجازا مهما ومؤثرا ونافعا إن لم تدرك هذه العلة المدمرة، وتتحرر من تداعياتها الخطيرة، وتتفاعل مع مفردات مستقبلها، وتنطلق حرة وبعافية عقلية ونفسية واضحة.

فهل سننهر الدموع ونخاصم الرثاء لنحقق إرادة نكون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم