أقلام حرة

ثورة الإسلام وثؤرته!!

صادق السامرائيالإسلام ثورة إنسانية وفقا لجميع المقاييس، فهو الذي أحدث تغييرا جذريا في المجتمع الإنساني، وقاد البشرية نحو آفاقٍ إدراكية جديدة.

الإسلام أوجد أجيالا من الثائرين المنوّرين برسالته، ولكل منهم رؤيته ومهاراته القيادية والتعبيرية اللازمة لتأكيدها والعمل بموجبها.

وفي المدينة تجمّع أعداد من المسلمين الذين عاصروا الإسلام منذ بداياته، وتبوؤا مكانة متميزة في مسيرته، وكان النبي الكريم محور وحدتهم وتفاعلهم الإيجابي مع بعضهم، وحال وفاته إنبثق ما فيهم، لأن الضابط الروحي قد إختفى بغتة وعمّت الفوضى، ولولا عناية الله وحكمة البعض منهم لإنتهى الإسلام كرسالة بوفاة النبي.

وتمكن أبو بكر الصديق من تحويل أنظار المسلمين الأوائل بأعدادهم الكبيرة نحو حروب الردّة، التي وحّدت جهودهم رغم بعض الإعتراضات، لكنهم جميعا أدركوا أن لابد منها لبناء دولة الإسلام القوية المهابة، فشاركوا فيها، وتم حسمها بقسوة شديدة.

وبعده جاء عمر بن الخطاب الذي إتسم بالحزم والقوة الصارمة، فحاول أن يعالج موضوعهم، وما هم فيه وعليه من أحوال ومكانة وقدرة على التأثير، فوضع أكثرهم في الحجر، أي منع أكثرهم من مغادرة المدينة، كما حاول أن يحد من نصيبهم من الغنائم التي جاءت بها الفتوحات في زمنهم، فأغضبهم وقيّد طاقاتهم وطموحاتهم، وهناك شكوك بأن بعضهم قد تآمر على قتله .

وعندما تولى عثمان بن عفان، ضبطهم في السنوات الأولى من حكمه، لكن القبلية طغت والجاهلية تفتحت فاستشرى الأمر، وصارت الدنيا هدفا ومحل نزاع تسبب بإضطرابات وفتن إنتهت بمقتله.

وحينما إنتهت الخلافة إلى علي بن أبي طالب، كانت الأمور قد خرجت عن السيطرة، فالفوضى عارمة وكلٌّ يرى ما يرى ويجتهد بما يرى، ولديه مَن يتبعه ويؤازره، فكان لا بد من القوة والحرب لكي تستقيم الأمور، حتى وصلت إلى مقتله، وإنطلاق الدولة الأموية بعد ذلك.

والمشكلة أن تلك المراحل قد خلت من القائد القادر على الإستثمار بالعدد الكبير من المسلمين الأوائل، وتوجيههم نحو الهدف الواضح المبين، فلم يتمكن الكثير منهم من القيام بدوره التنويري والقيادي، وإستشهدوا  في المعارك والحروب.

بينما كان من الأرجح توظيفهم وإعطائهم مسؤوليات وأدوار إدارية، وإشراكهم في تسيير أمور الدولة لكي يعبّروا عن طاقاتهم ويترجموا رسالة الدين.

وهذا لم يحصل، بل الذي حصل أن الثورة أكلت رجالها، كما هو الحال في أية ثورة وحتى يومنا هذا، أي أنها تحوّلت إلى ثؤرة، ينتقم فيها كل على شاكلته، ويصفي حساباته مع خصمه، حتى وصلنا إلى إرتكاب الفظائع والفواجع الأليمة المروعة.

فما حصل بعد مقتل عمر بن الخطاب بسنوات، تعبير صارخ عن الثؤرة وترجمة صريحة للنزعات القبلية والنعرات الكامنة في الصدور والنفوس والمؤثرة في العقول، فليس من المعقول أن الإسلام قد طهّرهم تماما مما فيهم في ظرف عقدٍ أو يزيد من الزمان.

والمشكلة التي ترتبت عن هذه الحالة أن أولادهم قد تكاثروا وتفاعلوا في المدينة، وأصبحوا مؤهلين للقيام بأدوار قيادية، ولعدم وجود القدرة على توظيف طاقاتهم وإستثمارها، فأنهم دخلوا في صراعات وخصومات أدّت إلى ويلات متوالدة قضت على معظمهم.

وهكذا فأن ما جرى في بعض مراحل التأريخ ناجم عن سلوكيات إيجابية لم يتم تصريفها بعقلانية وتدبير، وإنما تُركت تتصارع وتبدد طاقات بعضها وتمحقها، وبهذا خسر الإسلام فيضا معرفيا وطاقات تنويرية نادرة.

وعليه فأن القراءة الموصوعية العقلية الخالية من الإنفعالية والعاطفية تُظهر واقعا وديناميكيات غير التي يُراد للأجيال أن تعرف وتتصور.

إن آليات السلوك التي فعلت في واقع المسلمين منذ وفاة الرسول وحتى قيام الدولة الأموية، لا تشذ عن التفاعلات القائمة بين البشر على مَرّ العصور، وعندما تُقرأ بهذا المنظار فأن الصورة تبدو أوضح وأصدق.

وهي تقول بجلاء أن الدين دين والدولة دولة، وعلينا أن نوازن ما بين الحالتين، وحتى يومنا هذا لم يستطع معظم العرب والمسلمين التوصل إلى معادلة ذات قيمة حضارية تضبط تفاعل العنصرين!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم